لو مات أفضل
سما حسن-فلسطين
لأن شر البلية ما يضحك، فإن هذه القصة أضحكتني ثم أشعرتني برغبة عارمة بالبكاء، شعرت أنني أريد ان أبكي رثاء لنفسي، ورثاء لنساء يعطين حتى الانتحارعمرا وشبابا وطاقة، والنهاية المكافأة زوجة ثانية بعمر أحد الأبناء.هى تجاوزت الأربعين بعدة سنوات، لقد وصلت الى تلك المرحلة التي تزينها الحكمة وتصقلها التجربة والخبرة، ويزداد العطاء دفاقا مصحوبا بفيضان من الحنان والحب.
كانت تتناول كوب الشاي اليومي مع جارتها الأثيرة في صباح ذلك اليوم التي عاجلتها بسؤال مباغت مع أول رشفة من فنجان الشاي الساخن: هل أنت موافقة على زواج زوجك كما قال لي زوجي أمس؟بوغتت وظنت أنها لم تسمع، ولكن جارتها أعادت على مسامعها السؤال مرة ثانية، ولكن بلهجة متوجسة هذه المرة،صمتت ثم صرخت بلهجة الاستنكار والذهول..هزتها الصدمة وزلزلتها المفاجأة،ولم تصدق ..لم تصدق أن سنوات العمر والحب والعشرة والأبناء والاخلاص والمساندة كلها لاتساوي شيئا عند الرجل الذي أحبته.. وظنت أنه يحبها طول العمر... اعتبرت أن ما ينوي فعله خيانة تستحق الانتقام...هل وصل به الأمر أن يأتي لها بضرة تسلبها كل شيء وتشاركها كل شيء...تسلب منها ذكرياتها معه وذكرياته معها، وتسلب أبناءها بعض حقهم في أبيهم، وربما ينجب منها أولادا يشاركون أولادها فيما تعبت وهي بجوار زوجها في السنوات الأولى من زواجهما في تحقيقه من ثروة....انه المستحيل بعينه.
عادت بها الذاكرة الى ما يقرب من ربع قرن من الزمان...كان زوجها مهندسا مبتدئا حين تقدم للزواج منها،كان ابن عمتها يكبرها بعشر سنوات، تركت المدرسة والدراسة لكي تسلمه قلبها وحياتها، وتبدأ معه مشوار الحياة الزوجية التي حرصت ألا يكدر صفوها أي شيء، لم تترك الفرصه لكي تدخل بيتها لو مشكلة صغيرة من تلك المشاكل التي تدخل بيوت الزوجية،لا تريد أي شيء يعيق تقدم زوجها ونجاحه، انها تستبق الأيام لكي تصل به الى أحلامه،وخلال السنوات هذه أنجبت له البنين والبنات، فكان الأولاد هم جبهتها الثانية التي تحارب فيها،فقد احتلت صفحة وجهها نظارة سميكة تعينها على القراءة والنظر الى الأشياء بعد أن ذهبت دروس وكتب أولادها ببعض بصرها،حتى أصبح أكبر أولادها طبيبا والأخر مهندسا، والثالثة لاتزال طالبة جامعية...المهم أنها لم تشعر خلال هذه المدة بأي تغيير على زوجها...حقا هو دائما مشغول بمشاريعه التجارية، ولكن علاقتهما تتراوح في معدلاتها الطبيعية بلا زيادة أو نقصان..كانت تنام قريرة العين مرتاحة البال...فقد حققت أغلى أمانيها في الحياة ..من الزوج الصالح الى الأبناء الناجحين.. الى الحياة المنعمة الهادئة،أما كيف سبحت المياه من تحتها؟كيف تسرب زوجها من بين أصابعها؟ فهذا مالم يخطر لها على بال...انها باختصار لم تستشعر الخطر من جانب زوجها يوما... كانت تخاف من جحود الأبناء ونكرانهم أو الانشغال عنها على الأقل بحياتهم الجديدة...أما زوجها فلم يكن بحسبانها أن تهب رياح الخطر من ناحيته.
هذا الخبر بالنسبة لها كارثة بكل المقاييس، شعرت أن بداخلها نمرة جريحة تريد أن تفترس هذا الزوج الغادر وتفترس كل شيء من شأنه أن يزلزل سعادة بيتها وأولادها، وفكرت لو أنها كانت قد تلقت خبر موته لما صدمت هذه الصدمة، وكانت سترضى بقضاء الله وحكمته، وتقضي بقية حياتها على ذكرى وفائه واخلاصه لها، أما الخيانة فهي الشيء الذي لن تغفره، وانتقامها سيكون بحجم خيانته التي وصلت الى حجمها بالقليل من البحث والتحري، حيث علمت عزمه الزواج بفتاة صغيرة حسبما تقتضي القصة التقليدية التي ذبحتها الأفلام العربية تناولا وسخرية،وعلمت أيضا موعد الزواج، ولذا أعدت خطتها جيدا...ففي صباح اليوم المحدد قدمت لزوجها كوبا من الحليب المحلى بالعسل، ولكنهاهذه المرة أضافت له قرصا منوما، وزادت من جرعة العسل،وحين سألها عن المرارة التي تتخلل مذاقه غمزت له بعينها وهي تقول أنها قد أضافت له بعضا من غذاء ملكات النحل المعروف بمفعوله السحري،فشرب الزوج الكوب كله راضيا ومنتشيا، وان هي الا ساعة حتى استغرق في نوم عميق، فاستغلت الزوجة نومه وأقدمت على عمل جريء لا يصدر الا من نفس جريئة دامية نازفة، فقد أحضرت أدوات الحلاقة الحادة الخاصة بزوجها وأعملتها في لحيته وشاربه وحواجبه وحتى رموش عينيه، وحين أفاق الزوج من نومه ووقف أمام المرآة ليسوي هندامه، ويستعد للخروج الى موعده مع عروسه فوجيء بمسخ بشري أمامه...لم يكن بحاجة الى سؤال من الذي فعل به هذا ولماذا؟ لأن الاجابه واضحة ومعناها أن الزوجة علمت بكل شيء..
كتم الزوج الامر في نفسه وظل في البيت وفي داخله احساس متباين بين الشعور بالذنب والاحساس بالهزيمة نحوها،وكان مشروع زواجه هذا هو أول مشروع يخسره في حياته، ربما لأنه أخفاه عنها ولم تشاركه التخطيط والتفكير كما كانت تفعل في كل مشاريعه السابقة.ومرت الأيام والزوج حبيس البيت حتى استعاد مظهره ونبت شعر حاجبيه ورموشه، واستعد للخروج الى العمل... ولكن شيئا في نفسه كان مكسورا وفي نفس زوجته كذلك، وحاول أن يسوق لها المبررات لكي تسامحه ولكنها لم تعره أذنا صاغية، وأصبحت تنتظر اليوم الذي يصلها خبر وفاته لا خبر زواجه، وتحولت من زوجه آمنة مستريحة مسترخية الى زوجة لا تكف عن العبث بجيوبه والبحث في هاتفه النقال وأوراقه بحثا عن امرأة أخرى تظهر في حياته، وتدعو الله أن تموت أو يموت هو قبل أن يعاود الكرة ثانية ان لقب أرملة على مسامعها أرق كثيرا من لقب :الزوجة الاولى…