الصغار ولقيمات الخبز
الصغار ولقيمات الخبز
يحيى بشير حاج يحيى
عضو رابطة أدباء الشام
وقف طويلاً؟ فمنذ الصباح الباكر وهو يصبر نفسه ويمنيها، ويتنفس الصعداء كلما تقدم واحد من الذين احتشدوا أمام الفرن، لينال كمية الخبز التي يريد، اعتاد الناس في هذا الحي الشعبي هذه الحال منذ سنوات، ومع ذلك تسمع صيحة من هنا، أو زفرة من هناك.. فمع مضي الوقت تتناقص كمية الخبز، ويخشى الذين وقفوا في آخر الطابور ألا ينالهم منه شيء..
صاحب الفرن كان يحس ما في داخلهم، ويستشعر بعضاً من معاناتهم، فيطلق بين الفينة والفينة تطمينات بأن الكمية اليوم وفيرة.
لم يبق أمام أبي سعيد سوى ثلاثة، فازدادت دقات قلبه، وصار ينظر شمالاً ويميناً، وهو يبحث عن منفذ للنجاة بعد حصوله على الخبز!! ارتفع صوت صاحب الفرن ليقطع عليه اضطرابه: نعم.. يا أخ؟ كم كيلو؟
أجاب بسرعة: أربع كيلو لو سمحت.
وتناول الخبز. وانتظر صاحب الفرن أن ينقده الثمن، ولكنه فوجئ كما فوجئ الآخرون حين استدار الرجل بسرعة فائقة وهرول راكضاً وهو يشد إلى صدره الأرغفة الساخنة دون أن يدفع الثمن!!
صاح صاحب الفرن بأحد عماله ليحلق به، وتطوع بعض الموجودين للركض خلفه والإمساك به، ولكنه كان أسرع منهم، ولم يدركوه حتى وصل إلى باب المنزل!!
التفت إليهم وهو يلهث من التعب، واستمهلهم أن يفتح الباب ليجلب الثمن من داخل المنزل فأمهلوه، وفتح الباب وليته لم يفتحه، وليتهم لم يلحقوا به!! فقد انشق الباب الموصد عن أطفال تراكضوا كالقطط الجائعة، وجعل الأب المسكين يرمي لهم بمزق من الخبز، وهم يلتقطونها في شغف ونهم! ثم التفت إلى غرمائه ليقول:
- أقسم بالله إنني لا أملك قرشاً واحداً وحالتي كما ترون، حسبي أنني أطعمت أطفالي اليوم فافعلوا ما تريدون.
دهش الحاضرون وبلغ التأثر بأحدهم أنه أخرج ثمن الخبز ودفعه إلى عامل الفرن، فأصر العامل أن لا يأخذ شيئاً وهو يردد:
- سأقتطع ثمن ما أخذ من أجرتي لهذا اليوم.