أين أبي ... هل سيعود
أين أبي ... هل سيعود
سامي الأخرس
قُدر لنا أن نُودع ، وتنهمر الدموع كلما هرولنا نحمل فواجع التيه ، وصدمات الألم مع كل خبر تتناقله لنا رياح الموت العاصفة من مواسم الحقد التي زرعت في الصدور ، ونَمت وترعرعت ، فأثمرت وحشية تجردت من كل جزيئات الرحمة ، وأخلاقيات الأدميه البشرية التي كرم الله بها عبادة .. عن باقي المخلوقات .
تبتسم الطفلة الصغيرة عندما تجد أمامها رجلاً يطل فتردد بابا بابا كما فطرت عليها ، منذ أن خلقت من نطفة ، تعانق بذراعيها عناق حميم هذا الرجل وتحنو على صدره كزهرة الكستناء الحزينة تبحث عن دفءٌ يَغمرها ، وحنانُ يحميها من آهات الزمان وقساوة الأيام ، وشرور الإنسان ، فإن أجهشت بالبكاء وأمتلأت عيناها بالدموع تبحث عن صدرُ يلهمها الإطمئنان ، حضنُ تلقي برأسها به وتستكين مع البكاء .
طفلة صغيرة اسمها حلا ، ابتسمت لها الحياة قبل اشهر عديدة ، لتداعب قلب الأب الشغوف لكلمة بابا التي أنتظرها لأكثر من عقد من الزمان ، توسل للمولي أن يزرع في بيته سنبلة خضراء يرويها بالأمل والحب والحنان .
هلت حلا السنبلة لتملأ الكون ابتسامات وضحكات ، وتداعب بأصابعها الصغار عاطفة ثائرة تنتظر لحظة الكلام ، تستحلفها أن تنطق بها وتشذوها كالألحان بابا ،تروي فؤاده الولهان ، وشوقه الممتلئ حنان ... بابا .... كم حلم بها الأثنان ..
وبلحظة غروب الشمس خرج الأب مودعاً زهرة عمره وربيعه الأخضر بقبلة على الجبين ، حاضنا سنبلته الخضراء ومهجة فرحه وأمله ، غادر وشغاف قلبه تجذبه صوبها ، إليها كلما ابتدعت خطواته ألاح انتظريني عائد ، ولن أطول الغياب .. غادر متجها بأمل العودة ، يحلم بعناق حار على باب المنزل ... لم يدرك أن الغروب وحشُ تجرد من أدميته ، وحشُ تربص له مع خيوط الظلام ليسرق فرحة حلا ، ويسلب الابتسامة من عيناها ، ويقتل كلمة بابا التي لم تنطقها بعد ، غادر حاملاً مشعل النور ليضيء فضاء مستقبل حلا ... التي أنتظرته كعادتها تترقب خطواته وهي تحبو صوب الباب لتسمع نغمات الحبيب تدنو منها ، أنتظرته لتناجيه بذراعيها الصغيرين متوسلة عناق يدفء شوقها ، ويطفأ حنانها ، ويشعل حبها .... انتظرته حلا .. ولكنها لم تسمع خطوات معشوقها ، تسمع من حولها ضوضاء ضجيج آتي من بعيد يقترب حتى أصبح في بيتها ، يزيد اقترابا منها ، لم تدرك حلا أن الضوضاء نحيب الأم الثكلي ، ووسط الضجيج هي تبحث عن صوت حبيبها أو ملامحه فلا تجد سوي أصوات صارخه ووجوه عابسه ، وآهات حزينة .. لا تفهم ما يدور من حولها ، ولا تريد أن تفهم فهي تبحث عن رجل تعودت أن تراه ... تنتظره ... تشتاق لحضنه ...
ولا زالت تنتظر أمام الباب الذي حبت صوبه زاحفه بلا كلل ، لتسمع ألحان تطرب قلبها ، ألحان تنبعث من خطوات المعشوق الغائب ...
وأشرقت شمس يومُ جديد وحلا لا زالت تنتظر عناق المحبوب ، لا تؤمن أن الضوضاء والغروب خطفا عشيقها وحرماها من عناقه للأبد ، وغاب معهما أي أمل .. لم يسعفها الوحش الآدمي بأن تغني مع والدها أغنية العشاق ، وتردد له كلمة حلم بها منذ عقد من الزمان بابا .... أشرقت الشمس وهناك أصبح جسداً يسجي ينتظر أن تقام عليه صلاة الوداع ....
لن يعود لأن الوحوش لا تستهوي الابتسام ... ولا زالت حلا تستجدي ... وتتساءل بعيناها أين أبي ... أين بابا ... أين والدي الذي وعدني أن يعود حاملاً أشواقه وابتسامته ... أين هو لقد وعدني بأن لا يغيب .... ولكنه غاب ولن يعووووووووووووووووووووووووووود.