إِسْفَار!

إِسْفَار!

حسين العفنان ـ حائل الطّيبة

[email protected]

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله 

((لمْ تَستطعِ (الهَيْئةُ) أنْ تَردَنِي عَنكِ ،

استطعتُ أنْ أخرجَ من حَبْسِهم وَأَنَا رفيعُ الرَّأسِ ،

لمْ يَجِدوا ذرّة تُدينني(والتفتَ إليها) :

تَحملتُ كلَّ ظُلمِهم مِن أجلكِ يا حَبيبتِي...!))

بدأتْ خفقاتُ قلبِّها تَتَريث ، ونَفَسها يعودُ إلى طبيعتِهِ ، فقد خَرجا من السُّوقِ ،وغابتْ سيارتُهما فِي سُحُب كَثيفةٍ من المُنعطفاتِ ، لكنْ ما زالتْ متوترةً...قلقةً...حائرةً!! لم تستطعْ أنْ تَتَبسط مَعَه كالسَّالفِ، فهذِهِ أولُ مرةٍ يُلح عليها بالخُروج في هذا الوَقتِ المُبكرِ ، عبثًا حاولتْ إقناعَه بالجلوسِ في المَطعمِ كانَ مُضطربًا لا يستقرُ على حَالٍ ، مُتلونًا لا ينفكُ بَصرُهُ عَن هَاتِفِه!!

فلما تَزعزتْ قالتْ مُوبخةً! نَفْسها :

ما بكِ..؟!كأنّكِ أَول مرّةٍ تخرجينَ معه؟! أ ليسَ بينَكِ وَبينَه عَلاقة حَالمة تُحْسدينَ عليها؟! لم يَتجرأْ ـ على كثرةِ مجالسِكما ـ أنْ يمسكِ بسوءٍ، بلْ كانَ طاهرًا شريفًا ، وقدْ وعدكِ وعدَ حُرٍّ بِالزَّواجِ ـ فأشرقَ وَجْهَها حِينَ ذكرتِ الزَّواجِ ـ ثمّ حَدقتْ فِي وَجهه والغرورُ يُداعبُها : لعلَّ شَغفَه بي دَفعه إلى هَذا...!!

***

كانَ قريبًا مِن (خَالدٍ) تَشوشُ سَكِينتِها واضطرابُها ، فَدافعَ قَلقَه وقالَ:

ـ لمْ تَستطعِ (الهَيْئةُ) أنْ تَردَنِي عَنكِ ،استطعتُ أنْ أخرجَ من حَبْسِهم وَأَنَا رفيعُ الرَّأسِ ، لمْ يَجِدوا ذرّة تُدينني(والتفتَ إليها) تَحملتُ كلَّ ظُلمِهم مِن أجلكِ يا حَبيبتِي...!

ـ فَقَطعته حِينَ ذكرَ (الهَيْئة) فائرةً :

ـ كُرهِي لـ(لمُطاوعة) وُلدَ مَعي! واشتدَ حِينَ أَلقوا القَبضَ عَليكَ!لا أَدرِي كَيفَ قَضيتُ تِلكَ اللّياليَ خِلوًا مِنكَ؟! دعْ ذِكرَهم فإنّه ينغصُ العيشَ...!

(وَأضافتْ ) أُبشرُكَ صَرختُ فِي أَهلي وَ رَددتُ الخَاطبَ(سعودا) وفاءً لكَ..!!

فَتفاقمَ تَوترُهُ !وَطفَا على وَجهِهِ وَقيادتِه! ِ، فارتجَّ عَليهِ...!واسْترسلتْ :

ـ كمْ سيبتهجُ أهلِي حِينَ تقفُ فِ ي بَابِنا...!

***

فقطعَ حديثَها وُقوفُهُ المُفاجِئُ أمامَ إحدى الاسْتراحَاتِ!! وَاصطدمتْ بِقولِهِ :

ـ ها..وصلنا...!!

فَردّتْ والرهبةُ تَتصورُ فِي قلبِّها:

ـ ألمْ تقلْ: إنّنا نُريدُ أنْ نَتنزهَ قَليلا ثمّ نَعودُ إلى السُّوقِ؟!

فأمسكَ يَدها بِقوةٍ ، وَهو يَبتسمُ ابْتسامةً مُنكرةً:

ـ بَلى بَلى يَا حَبيبتِي...!! سَنعودُ... سَنعودُ..!!

فآبَ إليها عَقلّها..!!فهمّتْ أنْ تصرخَ...فَسلخَ صوتَها رَجلٌ خشنٌ جَبذَها خَارجَ السَّيارةِ وأَدخَلها الاستراحَةَ بِشدةٍ!!

***

حِينَ رَأتْ أَصاحِيبَ (خَالدٍ) يَأكلونَها بِنظراتِهم الجَائِعة، وَضحكاتُهم الخَبيثةُ، ونياتُهم القذرةُ، تقرعُ سمعَها وَبصرَها ، علمتْ أنّها حلتْ بوادٍ غيرِ ذي زرعٍ! فتحيرتْ في عينِها دمعةٌ خرساءٌ، فصرختْ حَتى كَادتْ نَفْسُها تَتَمزقُ:

ـ أيها الخَائنُ..!! أيها المُجرمُ..!!أيها الكَنودُ..!!

لكنْ تشتتِ الضَّعيفةُ فِي غَياهِبِ دُونيتِهم، فاشرأبّتِ الأعْناقُ وَتطاولتِ الأيدِي كلٌّ لِنفسهِ!! وَما فتِئ قَذَرُ ألسنتِهم يَتَهاوى على رَأ! ْسِها كالصَّخرِ!!

***

وَفِي طَرفةِ عَينٍ لبسَهمُ الذُّعرُ! خَبتْ ضحِكاتُهم! التَفَتُوا عَنها!!

سَمعُوا وقعَ أقدامٍ في البَاحَةِ !

فتَطَايروا مِن أمامِها كالذُّبابِ وهم يرددونَ:

الهيئةَ...الهيئةَ...!!

فأضاءتْ قسماتُها، وتَماطرتْ عَبراتُها: (الهيئة...)!!

وتحدرَ هذا الاسمُ النُّوراني كَالماءِ الشَّبم على نفسِها الهَشيمةِ، فكانتْ كالذَّابلةِ بَاكرَها الغَيثُ ، فتوهجتْ وَرَبتْ وَأحستْ أنَّها وُلِدتْ كَرّةً أُخرى...!