في الليل على فراشي
في الليل على فراشي
محمود القاعود
ارتدت فستاناً قصيراً لتخرج إلى الحفل الساهر الذى دُعيت إليه الأسبوع الماضى ، ملأت وجهها بالمساحيق الصارخة ، مشّطت شعرها المذهّب ، أحضرت زجاجة " البارفان " وأفرغتها بأكملها على فستانها الذى يرتفع فوق ركبتيها ..
خرجت من منزلها ، وركبت المصعد ، تنفخ من ضجرها ... لا تحتمل نزول المصعد من الدور العشرين ، توّد لو أنها تذهب فى غمضة عين إلى الحفل الساهر لتلتقى بحبيب القلب وقرين الغرام .
نزلت من المصعد مسرعة ، وكادت ساقها أن تنزلق فوق البلاط الناعم الموجود فى مدخل العمارة ، تركب سيارتها ، تجرى بأقصى سرعة ، لولا أن الوقت متأخر والطريق خال من المارة لقتلت العشرات فى هذا اليوم ، تنزل من السيارة وتنظر بلهفة إلى الأضواء الحمراء والخضراء المضاءة فى شقة حبيبها ، ترى أمام حديقة المنزل " بوكيهات " عديدة من الورود ، يكاد قلبها أن ينخلع من جسدها فرحاً ..
تُخرج المرآة الصغيرة من حقيبة يدها ، وتنظر إلى حاجبيها ، وتسريحة شعرها ، تنظر لشفتيها فتشعر بأن " الروج " قد ذاب وتخرج فورا قلم " الروج " لتزين شفتيها ، لم تنس أن تنظر إلى فتحة صدرها وكيف أنها أبرزت ثدييها بطريقة مثيرة ، استعداداً للقاء حبيبها .
تصعد إلى الشقة فتجد مجموعة من البنات والنساء جالسات ليحتفلن بالحبيب العاشق والحبيبة الهائمة ، الحبيبة ترمق الحاضرات بنظرات تعالى واستكبار ، وتقول لهن : " أنا سوداء وجميلة !
يسمعها الحبيب من بعيد فيقول لها : ما أجمل خديك بسموط وعنقك بقلائد ! ها أنتِ جميلة يا حبيبتى ها أنتِ جميلة عيناكِ حمامتان !
لم تتمالك الحبيبة نفسها من النشوة فأرادت أن ترد التحية :
ها أنت جميل يا حبيبى وحلو وسريرنا أخضر !
تهمس إحدى الحاضرات : يالوقاحة تلك المرأة ..لماذا لا تقول هذا الكلام بينها وبين حبيبها ؟ هل لابد من الفضائح ؟!
لم تعبأ الحبيبة بذلك الهمس الحاقد ، بل أخذت تسرد وتبث شكواها المريرة مما تعانى منه :
" إنى مريضة حباً ! "
تقول لها إحدى الحاضرات : " كبدى يابنتى ! ليشفيكِ الله من هذا المرض !
تُكمل الحبيبة سرد ما تفعله مع حبيبها : شماله تحت رأسى ويمينه تُعانقنى ، حبيبى لى وأنا له ! وفى الليل على فراشى ... صرخت إحدى الحاضرات وكانت بنت الرابعة عشرة :
كفاية يا طنط حرام عليكِ !
ولا تهتم الحبيبة بصرخة الاستجداء التى أطلقتها الفتاة التى ذابت من الخجل بمجرد سماع كلمة الفراش .. وتُكمل الحبيبة :
فى الليل على فراشى طلبت من تُحبه نفسى طلبته فما وجدته !
يضطر الحبيب لمقاطعتها :
ها أنتِ جميلة يا حبيبتى ها أنتِ جميلة عيناكِ حمامتان ، شعرك كقطيع معزٍ رابض على جبل جلعاد ، أسنانك كقطيع الجزائر الصادرة من الغسل ..
وينظر الحبيب إلى آثار " الروج فوق شفتى الحبيبة فيقول لها :
" شفتاك كسلكةٍ من القرمز . وفمك حلو ، خدك حلو كفلقة رمانة !
جميع الحاضرات بدأن يشعرن بالخجل ، لكن الحبيب فى حالة هيام شديدة جعلته ينزل بنظره من وجه المرأة إلى أسفلها وبدأ ينظر إلى ثدييها الظاهرين من تحت الفستان القصير :
" ثدياك كخشفتى ظبيةٍ توأمين يرعيان بين السوسن "
ويشعر الحبيب بامتعاض الحضور ، فيضطر مؤقتاً أن يرتفع إلى أعلى :
شفتاك يا عروس تقطران شهداً . تحت لسانك عسل ولبن !
تسمع طفلة صغيرة كلمة عسل ولبن ، فتهرول ناحية الحبيبة وتقول : ربنا يخليكِ يا أبلة أتمنى أن أذوق العسل واللبن !
وتبتسم الحبيبة : مازلت صغيرة بعد يا " أستير " ، فهذا العسل واللبن للكبار فقط !!
يشتم الحبيب رائحة فستان حبيبته ، فيقول : رائحة ثيابك كرائحة لُبنان !
جاءت فكرة للحبيب ، حتى لا يُغضب أحداً من الحضور ، وهى أن يصف حبيبته من أسفل إلى أعلى أو من تحت إلى فوق ، فبدأ برجليها :
ما أجمل رجليك بالنعلين يابنت الكريم !
وتسمع الحبيبة هذا الثناء فتمشى فى خيلاء أمام الحضور ، فيقول الحبيب :
" دوائر فخذيك مثل الحلى صنعة يدى صناع " !
تعترض إحدى الحاضرات : يا للفضيحة ؟! أوصلت الوقاحة بهذا الرجل أن يصف مؤخرة حبيبته ؟! وما هى الحكمة من هذا الوصف المشين ؟ تصببت وجوه الحاضرات بالعرق ، والحبيبة تنظر إليهن فى سعادة بالغة ، كأنها تقول لحبيبها : " الكلاب تعوى والقافلة تسير " !
ويأخذ الحبيب دفعة معنوية ليصعد إلى أعلى قليلاً : " سُرتك كأس مدوّرة لا يعوزها شراب ممزوج " ! ، ويصعد قليلاً بوصفه : " بطنك صُبرة حنطة مُسيّحة بالسوسن " ! ويرتفع قليلا بالوصف : " ثدياك كخشفتين توأمى ظبيةٍ " !
ويتحول الحبيب فجأة من الوصف العمودى – من أسف لأعلى – إلى الوصف الشامل " ما أجملك وما أحلاك أيتها الحبيبة باللذات ! قامتك هذه شبيهة بالنخلة وثدياك بالعناقيد ، قلت إنى أصعد النخلة وأمسك بعذوقها . وتكون ثدياكِ كعناقيد الكرم ، ورائحة أنفك كالتفاح ، وحنكك كأجود الخمر ! "
ولا تتمالك الحبيبة نفسها من كثرة هذه الأوصاف ، فتُشير إلى غرفة النوم وتقول بصوت عال :
" تعال يا حبيبى هنالك أُعطيك حبى !!
ووجدت الحاضرات أن تلك الحبيبة قد تجاوزت جميع الحدود ، فلم يجدن بد من أن يخلعن أحذيتهن وينهالن ضرباً على رأس الحبيب والحبيبة ، وظل الحبيب والحبيبة يصرخان فى الحاضرات : هذا وحى الله !
الله هو الذى أوحى لنا بهذا الكلام ، فما كان من الحاضرات إلا أن استمررن فى الضرب المبرح حتى وقع الحبيب والحبيبة فى دماء سفالاتهما .
ووقفت احدى الحاضرات لتقول " هذه هى غلطتنا لأننا سكتنا عليها عندما قالت " فى الليل على فراشى " ، فما كان منها إلا أن تمادت هى وحبيبها وبقى أن يمارسا حبهما الدنس أمامنا !
جرت الطفلة " أستير " خلف أمها وقال ببراءة : " ماذا يعنى قول الحبيبة : " فى الليل على فراشى " ؟!
أجابت الأم بارتباك : " يا حبيبتى : الليل معناه الحيرة والقلق ، والفراش معناها الكسل والتهاون ، ومعنى " فى الليل على فراشى " يعنى فى بعدى عن الله ! "
وترد أستير : لماذا إذا ضربتم طنط إذا كانت تتحدث عن البعد عن الله ؟!
أجابت الأم بضيق وحسرة : حبيبتى لازم الروح القدس تحل عليكِ لتفهمى !