لقد تزوج يا أمي
إيمان شراب
- أمي ، هل أنت في البيت ؟
- نعم يا ابنتي ، أنا في البيت ، ماذا هناك ؟ ما به صوتك ؟ هل تبكين ؟
انفجرت بهاء في البكاء ، والأم على الجانب الآخر ترتجف هلعا !
بهاء : أمـ...ي ، لقد تزو..ج ..هاني ، تزوج عليّ .
الأم : غير صحيح ، من قال ذلك؟ كذب ، كذب!
بهاء: يا أمي ، لقد ألقى قنبلته في وجهي بنفسه ....وعندما انفجرت باكية ولم أسيطر على انفعالاتي ، ترك المنزل وخرج ..........أنا قادمة إليك يا أمي ، سأجمع أشيائي وآتيك.
الأم : لا ، لا ، يا ابنتي ، لا تغادري بيتك ، أنا قادمة إليك حالا ! اذكري الله حبيبتي واهدئي من أجل الصغار ، أرجوك !
بعد وقت غير طويل تصل الأم ..الصغير ذو الأربع سنوات في حجر أمه ينظر إليها خائفا مشفقا ويفهم أن أباه هو سبب حزن أمه وغضبها الذي لم ير مثله قبل ذلك !
الأم :اهدئي وأخبريني ماذا حدث .
بهاء : لقد أخبرتك يا أمي !
بهاء : الأسبوع الفائت ، ادّعى الكذاب أنه مسافر في مهمة عمل !
الأم : وماذا ستفعلين ؟
بهاء في استنكار : ماذا سأفعل ؟ لن أعيش معه ولا لحظة هذا المخادع !
الأم : غلط .
بهاء : وأين الصواب يا أمي ؟بعد أن تزوج لا مكان للصواب .
الأم : تزوج وانتهى الأمر ، أليس كذلك ؟
بهاء : ماذا تريدين أن تقولي يا أمي ؟ لن أسكت ولن أصبر على وضع مهين كهذا ، ما الذي سيجبرني ؟!
الأم : اسمعيني بعقلك بنيتي ، نحن الآن في أشد المواقف حاجة إلى الحكمة والتّروّي .
وتتابع : تزوّج من أخرى ولن يتركها ، ولا تعطيه الفرصة لتركك أنت ، وساعتها سينفطر قلبك وجعا على أبنائك ، وعندما يكبرون تأكدي أنهم سيحملونك مسؤولية وضعهم !
بهاء : آخذهم معي و.....
الأم : يا مغفلة ! هذا ما تريده الزوجة الجديدة ، وهذا ما يريده هو ، أن يهنأ باله على أبنائه ، لأنه يعرف من هي بهاء الأم .
بهاء :إذن أتركهم له .
الأم : أنت فعلا مغفلة ، ستخسرين ساعتها الزوج والأبناء والبيت !
دموع ضعف وقلة حيلة وقهر تجري غزيرة على وجه بهاء !!
تمسح والدتها دموعها وتحتضنها طويلا .. ثم برفق تبعدها عن صدرها وتتأملها برفق ، وتكمم آهات قلبها المتألم ، وتقاوم دموع الرحمة والشفقة، ، لتستبدلها بعيون تبرق أملا ...وكم كانت مهمتها صعبة في إقناع بهاء بهذا الأمل !
عاد الزوج من عمله في موعده ... وجد الغداء جاهزا على مائدة منظمة أنيقة . جلس يأكل في صمت ، ويراقب من بعد زوجته - التي لم تتحدث معه – تغرف لهذا ، وتضع لقمة في فم هذه ، ثم تعطي نفسها دورا .
في رأس هاني ألف سؤال ! أنهى طعامه صامتا ، حمد الله وقام قائلا :
كان الطعام لذيذا يا بهاء .
بهاء : أعرف . دخل حجرته كالعادة ، وتعمدت أن تتباطأ في جمع المائدة، سمعته ينادي ، فقدمت إليه .
قال لها : اجلسي يا بهاء ، أريد أن أتحدث إليك .
تحاول بهاء أن تبدو قوية وتجلس إلى جواره غير ملتصقة ، يمسك يدها ، تحاول أن تسحبها ، فيظل ممسكا بها ويشد عليها ويتابع :
لقد تزوجتها يا بهاء لأنها ......
تقاطعه : هاني ، لا أريد أن أعرف شيئا ... الذي أعرفه أنني امرأة ذكية جميلة ، امرأة أنثى !! كما أنني ذات دين وحسب ونسب ، متعلمة ، أتمتع بذوق رفيع ، أم مربية ، زوجة ودود ، فلا عيب لديّ من فضل الله وكرمه عليّ .
ابتسم وأومأ برأسه مؤكدا : كل ما قلتيه صحيح .
بهاء : اسمعني أنت يا هاني .
هاني : كلي آذان صاغية .
بهاء : أهو كرم منك ؟
بهاء : بل كرم أخلاق منك .
بهاء : أردت أن اتابع دراستي حتى أصل إلى الدكتوراه .
هاني : وبعد ؟
بهاء : تعرف أ نني منذ زمن أردت العمل ..
هاني : وقد قلت لك سابقا ، لماذا العمل وأنا قادر على كفايتك .
بهاء : لأنني أنا من يريد ذلك ، أم أن كل شيء في هذه الحياة يجب أن يكون ما تريده أنت فقط ؟!
هاني : أهو ضغط عليّ ؟
بهاء : لا ، ولكنه المزيد من الفراغ لديّ .
سعاد : وماذا بعد يا بهاء؟
بهاء : ماذا بعد ! استمرت الحياة وأخذت أشق طريقها بنجاح يجرّ نجاحا .
سعاد : ولم يعد يهمّك شأن هاني ، هل أتى ، لم يأت ؟
بهاء : لا يا عزيزتي ، لم أتنازل يوما عن حقي في زوجي ، فهو زوجي قبلها ، ولم أتنازل لحظة عن حق أبنائي في أبيهم ليكونوا أسوياء .
سعاد : آه من هؤلاء الرجال !
بهاء : ولماذا يا عزيزتي نعلق حياتنا كلها بهم ؟
لم يكن الأمر سهلا عليّ أبدا ، ولكن كان يجب ان أظل واقفة صامدة وبنجاح .
رحمك الله يا أمي ! قالت لي : تصرفي بذكاء ، استغلي الموقف لتحقيق أحلامك ، واكسبي دنياك دون أن تخسري آخرتك .