حدث في دمشق

حدث في دمشق

"شافعي"

يحيى البشيري

على باب الزنزانة رقم (7) وقف السجان بقامته المديدة، ومنكبيه العريضين ليفتح الباب الحديدي، ويشير إليّ أن أتبعه بسرعة.

كان "سعدو" مضطرباً كما في كل مرة، أمسك بيدي وهو يهمهم قائلاً:

- سيادة النقيب يطلبك حالاً.

ثم هبط بي عدداً من الدرجات ليدخلني إلى غرفة لم أكن قد دخلتها من قبل.

نقر الباب نقرات خفيفة، ووضعني أمامه ليقول: المطلوب سيدي..

وجهاً لوجه وقفت أمام محقق لم يتجاوز الثلاثين فيما أحسب، فنزق الشباب ورعونة الصبا لم تكن بعيدة عن تصرفاته، فقد كان يمسك بمسدس 9 ملم، ويدوره بين إصبعيه.

تجاهلني في البداية، ثم قوّس حاجبيه بانفعال طفولي ليقول:

- أهلاً.. أهلاً.. أنت هنا..

فلم أجب بكلمة.

طلب إليّ الجلوس فجلست.

كان أمامه عدد من الأوراق يعلو بعضها بعضاً يقلبها باضطراب وهو يزم شفتيه ويردد بعصبية:

- شافعي.. شافعي..

وكلما رفع ورقة أتبعها بكلمة شافعي، ثم التفت إليّ ليخاطبني بتهكم:

وأنت –يا أستاذ- شافعي؟

قلت دون تردد: نعم.

عاد إلى تقليب الأوراق، وعدت أفكر مسائلاً نفسي:

- ما الذي جعل هذا الغبي الصغير يردد كلمة شافعي.

وبينما كنت في خضمّ تساؤلاتي فاجأني بالقول:

- أرى الشافعي له أتباع كثيرون على ما يبدو؟!!

ارتسمت بعض التساؤلات على وجهي، والنقيب الصغير يهز رأسه هزة التهديد، أأقول شيئاً أم أستمر في صمتي؟ لست أدري..

تنهد المسكين بعمق وراح يثبت عينيه بعيني ليقول في تحد وانفعال:

- لقد ذهب الشافعي إلى غير رجعة، لن يعود، ماذا تنتفعون منه، هو في مصر، ونحن في سورية!!

وتكاثف الغموض في ذهني أكثر من قبل، فلماذا يركز هذا الفهيم على الشافعي رحمه الله؟ وما الذي جعله يطلبني في الساعة الواحدة بعد منتصف الليل ليسألني فيما إذا كنت شافعياً!!

ضرب بيده على الطاولة وهو يقول:

- لا تخدعوا أنفسكم، الشافعي راح مع الذي راح والوحدة مع مصر لن تعود، وهو ترك السياسة واستقال من كل المناصب والتزم بيته من زمان.

ضحكت من أعماقي، وأدركت عند ذلك أن النقيب الفهيم يحسب أن الإمام الشافعي صاحب المذهب، هو نفسه السيد حسين الشافعي نائب رئيس الجمهورية العربية المتحدة سابقاً!!