سارة

سارة .. ملكة الجمال

د. فاروق المناصير

(سارة) ، فتاة لبنانية هاجرت إلى دولة (نيوزلندا) new Zealand ، هرباً من جحيم الحرب الأهلية اللبنانية ، والتي استمرت لمدة (15) سنة ، طحنت الأخضر واليابس وأهلكت الحرث والنسل وقتلت الآلاف من الشعب اللبناني .

كانت (سارة) ، في العاشرة من عمرها حين هاجرت مع أبويها إلى (نيوزلندا) ، ومن يومها انقطعت كل صلاتها بلبنان والعالم العربي والإسلامي .. والأهم من كل ذلك انقطعت علاقتها وصلتها (بالله) ربِّ العالمين ، وبالخُلق الإسلامي الكريم .

وأترك الحديث لسارة تحدثنا عن نفسها حيث تقول :

ـ هاجرت أنا وأبي وأمي من لبنان إلى نيوزلندا ، كنت في العاشرة من عمري وهناك انقطعت صلتي بالشرق الأوسط وبالإسلام ، ولم أر القرآن ولا أعرف شكله فقد انقطعت علاقتي به .

بعد سنوات من الهجرة انفصل أبي عن أمي ثم تزوج كل منهما وهاجر خارج نيوزلندا للعمل وكسب الرزق . وبقيت ـ أنا ـ وحدي في نيوزلندا وعشت حياة غربية صرفة مثل أي فتاة أوروبية في هذا المجتمع .

كنت أدرس في الصباح وأعمل في (البار) ـ أي في الخمّارة ـ مساءً ، حتى أستطيع أن أصرف على نفسي ودراستي ، وكان لدي صديق (بوي فرند) نعيش أنا وإياه في بيت واحد .

في هذا (البار) تعلمت كل فنون المنكرات .. وكل أنواع المحرمات ، التي حرمها عليّ ديني . لقد كنت شديدة الجمال ، لم يكن جمالي عادياً بل كان (فتنة) ولهذا دخلت في مسابقات ملكة الجمال في نيوزلندا في مقاطعتي ، وفزت وطلعت الأولى على كل المتسابقات في هذه المقاطعة .. وسوف أدخل بعدها في مسابقات ملكات الجمال على مستوى كل نيوزلندا ، فإذا ربحت سوف أدخل مسابقات ملكات جمال العالم .

وبفضل جمالي أصبحت (عارضة) في الإعلانات في وسائل الإعلام وفي الصحف والجرائد ، وهكذا أصبحت مشهورة ومعروفة .

وفي يوم من الأيام زرت أسرة لبنانية مهاجرة مثلي في نيوزلندا وكان عمري آنذاك (21) سنة ، وجلست مع هذه العائلة أشاهد إحدى القنوات الفضائية ، وكنتَ (أنت تتحدث عن العفة) وأحسست حينها بالخجل من نفسي ورأيت نفسي وكأنني عارية أمام هذه العائلة العربية . ثم رأيت موفعك على شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت) .

وإذ أقص عليك قصتي أودّ أن أسألك هذا السؤال :

ـ هل يمكن أن يغفر الله لي وأن يتوب علي بعد كل الذي عملته وفعلته في حياتي ؟..

قال لها :

ـ نعم .. إن لك توبة عند الله وإنه سيغفر كل ذنوبك وخطاياك ، ولكن ارجعي إليه بصدق نية وبصدق توجه إليه .

بعد يومين وصلته رسالة منها على (البريد الإلكتروني) تقول فيها :

ـ لقد تركت العمل في البار ولن أرجع إليه .

سُرَّ لهذا الأمر غاية السرور .

بعد يومين آخرين قالت له :

ـ لقد تركت شرب الخمر .

ثم بعد يومين آخرين قالت له :

ـ أنا أرغب في التوبة إلى الله ولكن مشكلتي في صديقي (البوي فرند) لا أستطيع تركه ولكني سوف أجرب .

بعد يومين قالت :

ـ نعم .. لقد تركت صديقي .

بعدها قام (هو) بالاتصال بها ليسألها عن عمرها ، فقالت :

ـ عمري (21) سنة .

بعدها وبيومين كذلك أرسلت إليه تطلب منه (سورة الفاتحة) ، أرسل لها السورة .

بعدها بيومين قالت له :

ـ أرغب في الصلاة .. أرجوك علمني الصلاة .

وتم تعليمها طريقة الوضوء وطريقة الصلاة .

بعدها بفترة قصيرة طلبت منه أشرطة قرآن ، فأرسل لها الشرائط لمجموعة من القراء (العجمي والشريم وغيرهما) .

بعدها بثلاثة أيام قالت له :

ـ لقد حفظت سورة النبأ .

وبعدها بيومين قالت :

ـ حفظت سورة الرحمن .

ثم قالت له بعد يومين آخرين :

ـ أرغبفي حفظ سورة يوسف .

ثم بعدها بيومين قالت له :

ـ أنابدأت أقوم الليل لأصلي لله رب العالمين .

بعد بيومين كذلك قالت له :

ـ أنا أريد أن أتحجب .

فحاول أن يثنيها عن الموضوع ـ خوفاً ـ من التلاعب ، حيث أن البعض منهن تكون صادقة في رغبتها هذه . فقالت زوجته :

ـ دعها تتحجب لعلها تكون صادقة في رغبتها هذه .

أما هي (سارة) فقد قالت له :

ـ إن في نفسي شيئاً يدعوني للحجاب .

ثم قامت بلبس اللباس الشرعي وغطت جسدها ومفاتنها عن العيون ، لقد وفقها الله للبس الحجاب والالتزام بأمره .

بعدها بيومين أرسلت إليه تقول :

ـ أريد أن أخدم الإسلام وأعمل أي شيء لديني .

فأرسل لها مجموعة شرائط له وللدكتور طارق السويدان ولغيرهما .

ثم انقطعت اتصالاتهما ولمدة أسبوع ، ففزع لهذا الانقطاع وأخذته الظنون ، ولكنها ما لبثت أن اتصلت به لتقول له (ويا لهول ما قالت) :

ـ لقد كنت في المستشفى طوال هذه المدة ، كنت فيما مضى أجريت عملية تجميل لصدري حتى أدخل مسابقات الجمال .. أنا الآن مريضة .. أنا الآن مصابة (بالسرطان) في صدري .

غير أني أسألك : هل بالإمكان أن يغفر الله لي كل ذنوبي في ثلاثة أسابيع وأنا عمري الآن (21) سنة ؟

أنا يا (أستاذ) محتارة هل أرجع إلى بلدي الأصلي (لبنان) لأقضي بقية حياتي ، أم أجري عملية جراحية خطرة ، نسبة النجاح فيها ضعيفة جداً ، لقد تركت رقم هاتفي عند صديقتي لتخبرك بآخر أخباري وأموري .

وبعدها بيومين قالت له :

ـ لقد قررت أن أدخل غرفة العمليات لاستئصال أورام السرطان من صدري .. أرجو أن تدعو لي وأن تناشد إخواني المسلمين أن يدعو لي . وليس عندي شيء يخدم الإسلام إلا هذه الشرائط التي سوف أهديها لمن يستفيد منها وسوف أكون حريصة على هذا الأمر .

دخلت (سارة) غرفة العمليات يوم الجمعة .. وخرجت من المستشفى في نفس اليوم إلى المسجد (محمولة) إليه ليُصلى عليها .. لقد ماتت (سارة) .

نعم .. لقد ماتت ملكة جمال نيوزلندا ، ولا يفصل بين توبتها ورجوعها إلى الله وبين وفاتها إلا أربعة أسابيع فقط . من أول رجب إلى أول شعبان .

حينها سكت الأستاذ (عمرو خالد) برهة .. وسكت المستمعون له وعلى عيونهم بقايا دموع نافرة ، وهم يترحمون عليها .

أما أنا فقد كنت أمسح دموعي بكلتا يديّ وأنا أسترجع وأقول :

ـ إنا لله وإنا إليه راجعون .. رحم الله (سارة) وأسكنها في نعيم وفسيح جناته وغفر لها خطاياها .. وأجو أن تكون (ملكة جمال) ولكن في جنة الخلد عند الرفيق الأعلى