الطائر الجريح و الهرة

الطائر الجريح و الهرة

ليلى رابح / الجزائر

[email protected]

سارت بسمة في حديقة الجامعة وقد استجارت بالأشجار المورقة الوارفة الظلال و الزهور اليانعة المختالة بأحلى الألوان من تعب الدراسة و الامتحان.

و بينما هي تجول بناظرها تستمد من أشعة الشمس الدافئة بهجة الحياة و من شذى الورود نشوة الأمل بمستقبل واعد إذا بها تلمح عصفورا صغيرا يرفرف بجناحه حينا و يقبض بالآخر حينا و كأنه يتهاوى من عليائه و غير بعيد عنه رأت فجأة هرة منتصبة تتوعده و تنتظر لحظة سقوطه لتنقض عليه و قد وثبت مستعدة مكشرة عن مخالبها .

رثيت بسمة لحال الطائر الجريح الذي راح يتمرغ في الأرض متألما ، ترددت بسمة في إسعافه خشية إخافته لكنها رأت الهرة تدنو منه و هو يزحف على الأرض لا يقوى على التحليق و كأنه يسير نحو حتفه باتجاه الهرة و هو لا يدري . سارعت بسمة لطرد الهرة فضربت الأرض برجلها ناهرة إياها و اقتربت بحذر من الطائر الجريح الذي بدا خائر القوى مستسلما .

احتارت بسمة في كيفية حمله و خشيت مضاعفة آلامه بلمسه    و ازدادت حيرتها و تساءلت كيف يمكن تخفيف وجعه و إنقاذه .

أخرجت بسمة من جيبها منديلها الحريري الأزرق و لفت الطائر فيه بحنو بالغ و سارت به  تسقيه من العين الجارية بعض قطرات الماء علها تنعشه و تحييه لكنه ظل يئن .

كانت بسمة تظن أن لغة الطيور من طلاسم الطبيعة التي لا يمكن فكها لكنها في ذلك اليوم سمعت نين الطائر و رأت الألم في عينيه الصغيرتين البراقتين رغم الوجع .

أخذت ورقة من أوراق الشجر و لفتها على ساق العصفور محاذرة خائفة من إيلامه و سارت به نحو مستوصف الجامعة علها تنقذه و تعيده لحياة البرّية حيث أهله و صغاره ربّما ينتظرونه. لكن ما إن وصلت المستوصف حتى وجدته مغلقا لم يكن هنالك من تسأله و راحت المسكينة تتخبط و تتألم لألم الطائر. و راحت بنية ساذجة و توكل على الله تقرأ له آية الكرسي و سورة ياسين علها تخفف وطأة أوجاعه، فما لبث الطائر أن أسلم روحه لبارئها.

بكت بسمة بحرقة ذلك الطائر الحزين الجريح و تألمت كثيرا لأنها لم تستطع إنقاذه و شفاءه.لقد أحست به  كثيرا  كثيرا لكنها لم تكن تعلم كيف تداويه ، إحساس عميق و جهل مقيت جعلاها شقية ذلك اليوم .

سارت بالعصفور مجددا نحو الحديقة و قد كفنته بمنديلها الحريري الأزرق و حفرت له قبرا قرب شجرة الصفصاف حفرت عميقا حتى لا تنبش الهرة قبره و وارته التراب الذي بللته بدموعها.

لم تكن بسمة تكترث بالطلبة الذين مروا من أمامها حائرين

و عندما جلست في اليوم الموالي على الأريكة الخشبية في حديقة الجامعة تتناول غذائها مع صديقة لها  . وقفت هرة الأمس تستجدي غوثها بلقمة طرّية ، ضحكت بسمة في سرها و رمت ببعض شرائح اللحم للهرة المسكينة .