صباح الخير يا وطنِ
صباح الخير يا وطنِ
زياد جيوسي
رام الله - فلسطين
عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
صحوت من نومي متأخرا قليلا عن موعدي، عادة عندما أصحو هكذا اشعر أن هناك شيء غير طيب سأواجهه، مارست طقوس الصباح وذهبت لمكتبي متأخرا عشرة دقائق عن المعتاد، كان خط النت معطلا فأمسكت بصحف الصباح، وجدت أن عينيّ لا تقرئان جيدا، انه ارتفاع الضغط إذن..
صباحك خير حبيبتي البعيدة القريبة، صباحك أجمل...
نظرت من جديد للعناوين الرئيسة في الصحيفة..
- عدوان جوي مكثف على قطاع غزة لفرض المنطقة العازلة
- إسرائيل: تل أبيب لن تعترف بنتائج الانتخابات الفلسطينية إذا حققت حماس فوزا ملحوظا.
- لجنة الانتخابات المركزية تطالب السلطة لوقف الاعتداءات على مراكزها وطواقمها.
- جدران الفصل العنصري تقام بين الأحياء العربية واليهودية داخل الخط الأخضر.
اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير تعلن أنها ستبقى في حالة انعقاد دائم لمتابعة الانتخابات !!!!!!
- مستوطنون يقيمون أربع عشرة بؤرة استيطانية بالضفة من اصل خمسة وعشرين يجري العمل على إنشائها.
- عناصر مسلحة تقتحم ثلاث مؤسسات حكومية بغزة.
- مسلحون يغلقون الشوارع ويطلقون النار احتجاجا على الانتخابات في بيت لحم.
ندوة في طولكرم تدعوا للتصدي لقتل النساء على خلفية شرف العائلة.
- إحدى الوزارات تحتفل بانطلاق مشاريع المنحة المقدمة من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بقيمة خمسين مليون دولار وتوفر نصف مليون فرصة عمل..
...قفزت عيناي من محجريهما بقراءة النبأ الأخير، قرأت عن المشاريع فإذا هي لا تتجاوز تطوير شوارع وأرصفة وساحات وكلها بقطاع غزة، حاولت بعشقي للغة الأرقام أن اجري بعض الحسابات بلا جدوى فمن المستحيل أن هذه المشاريع ستوفر هذا الكم الهائل من فرص العمل، في الوقت الذي يعقد في رام الله مؤتمر حول البطالة والتشغيل.
اتصلت مع احد الأصدقاء مستفسرا بحكم موقعه، فقال لي ربما أن المعني نصف مليون يوم عمل، حسبتها فإذا هي تجاوز ألف وسبعمائة سنة، فأعدت الاتصال مجددا به فقال لي هي ثلاثة اشهر وأكيد أن هناك خطأ بالرقم..ضحكت وقلت له لا اعتقد..أظن أن المسألة ليست أكثر من دعاية لأمريكا في وجه الانتخابات فلا يمكن لرقم النصف مليون أن يستوعب بكل الصور والا لما عاد هناك أي نوع من البطالة إطلاقا..
شعرت بالقرف فقررت الخروج للسير بشوارع رام الله، الشمس مشرقة اليوم ولكن مع هواء بارد فنحن في بداية " المربعنية "، لبست معطف يتناسب مع البرد وخرجت إلى الشوارع ناظرا إلى ما حولي، وصلت دوار المنارة الساحة المركزية في المدينة، وجدت كما كبيرا من سيارات الأمن تقف هناك وجنود وشرطة بألبسة مختلفة لعل كل منها يشير لجهاز ما، فأنا لم اعد أستطيع التمييز بينها منذ فترة، ووجدت حوالي خمسة منهم يسحبون شابا لقائدهم ويقولون له ( هذا ما عاجبه حد )، فابتسمت وأكملت طريقي..ومن هنا يعجب بالآخرين ؟؟؟ الم نتحول جميعا إلى قادة وزعماء !!!!!
آه يا حبيبتي البعيدة الساكنة مني كل الخلايا وتلافيف الذاكرة، سرت وإياك شارع الإرسال، تخيلت طيفك يضع يده بيدي ويهمس لي، سرنا طويلا والهواء البارد يواجهنا حتى وصلنا لقبر الرئيس الشهيد، قرأت الفاتحة على روحه من خلف الأسوار، فلم يكن لدي رغبة أن أمر من بين صفوف الحرس والبنادق للوصول للقبر.
واصلت المسير معك حتى وصلنا لتلك الياسمينة التي اعشقها من بين كل ياسمينات رام الله، هذه الياسمينة التي نما بيني وبينها عشق خاص عبر السنوات الماضية، والتي لا تبخل عليّ بزهرتي ياسمين بكل الظروف حين أمر بجانبها والقي عليها تحية الصباح أو المساء، واصلنا السير في شوارع جانبية ودخلنا شارع جميل تحفه الأشجار على جانبيه، حتى وصلنا إلى بستان جميل بين هذه البنايات لفت نظري فيه شجرة تين عارية تماما من أوراق الشجر وخلفها عدة أشجار سرو باسقة وكأنها تحفها كحراس ليل، وقفت وأخرجت لفافة تبغ وأشعلتها متأملا بالمشهد، قمت بعد شجرات السرو فوجدتها تسعا متراصة، ضحكت لما عددتها...تذكرت قولك ان الرجال لا يهتمون بالتفاصيل الصغيرة ويأخذون أي حدث كمشهد متكامل بعكس النساء..
انتبهت ان لفافة تبغي انتهت كما انتبهت أني أول مرة أشعل لفافة بالشارع فاحترت كيف ارميها، فانتظرت حتى انطفأت ووضعتها بجيبي حتى أعود..أكملنا المسير حتى عدنا لوسط المدينة لأرى أكوام من القمامة ورجل ببذلة محترمة يبصق بالشارع وغيره يرمي اللفافة بدون أن يدوسها ويطفئها على اقل تقدير..فضحكت من نفسي هل أنا على خطأ أم هم..
أكملت المسير معك حتى وصلنا لمقهى أوروبا..مقهى صغير ولطيف لا يكتظ في الصباح، جلسنا بزاوية مراقبين الشارع، احتسينا القهوة وقطعة من الحلوى، كعادتنا فنجان واحد نحتسيه سويا ولفافة تبغ واحدة نتبادلها معا...
همسنا ويدك تمسك يدي عن هموم الوطن وجراحاته...خرجنا من جديد إلى الشارع تصدم عيوننا الملصقات الممزقة والتي تشوه الجدران من أثار انتخابات البلديات ولا تجد جهة تقوم بتنظيف الجدران وحماية أعيننا من هذا التشوه..عدت لمكتبي وطيفك عاد من حيث أتى إلى البعيد يحمل بين أصابعه زهرتي الياسمين...