ماذا يدور وراء الأبواب المغلقة

ماذا يدور وراء الأبواب المغلقة

محمد الحسناوي *

[email protected]

كان ذلك أواسط شهر مايس من عام 1978م. كان الوقت ظهراً، والسماء في »أنقرة« مسقوقة بالغيوم، والأمطار تتناوب، فتبلل الشوارع والعابرين والسيارات، فتحول الجوّ الربيعي  إلى مناخ شتائي فيه البرد والبرق والرعد. اقترب حامد وعابد من باب السفارة، فوجداه يغلق ويفتح من الداخل كلّما مرَّ فيه أحد. دخلا السفارة حذرين وجلين، على حين وقفت سيارة »تكسي« تنتظرهما على  مسافة غير منظورة، وعلى مِقْوَدها أحد الأصدقاء  المأمونين. كيف يدخل الإنسان عن وعي وتصميم إلى أرض  ملغومة،كذلك دخل عابد وحامد. رجلان كهلان غريبان، تجاوز كل منهما الأربعين عاماً، لم يكونا مسلحين، ولم تكن  معهما نقود كثيرة، ولم يكونا يطلبان شيئاً مستحيلاً أو عظيماً. كانا  يريدان التصديق  على طلبين لهما للانتساب  إلى الدراسات العليا في تركية، وعلى الرغم من ذلك كانا يحسّان بأنهما ينفذان مغامرة خطرة.

حين مشيا في ممرات الدور الأول من مبنى السفارة لم يعرفهما أحد، وهما لم يعرفا أحداً. »هذا  مؤشر حسن«. طلبا  استمارات. ملأ كل منهما استمارته. ووضع عليها صورته الشخصية،  وثبت اسمه الصريح وتوقيعه المعتاد، وسلمها للموظف المختص: رجل قابع خلف نافذة نصف مفتوحة، ونصف شفافة؛ ظل رجل من  وراء الزجاج. يدان  تبرزان، تستلمان، ثم تغيبان.  طلب منهما الانتظار في قاعة داخلية، تخصص أحياناً للندوات  والمحاضرات، كما يلاحظ من  شكلها ومن الأثاث المبعثر في أطرافها. لها نوافذ من جهة  واحدة عالية  جداً. ليس لها غير مدخل واحد هو نهاية الممر الذي تطلّ عليه أبواب الغرف المغلقة. والقاعة هكذا أبعد نقطة عن الباب الخارجي الذي دخلا فيه، وأغلق خلفهما بقفل ومزلاج حديديين، وحارس شبه مخفي وراء الباب.

لم تكن لهما حاجة حقيقية بالدراسة الجامعية آنذاك، ناهيك بالأوراق التي غامراً بالمجيء للحصول عليها. إن حاجتهما هي الحصول على إذن بالإقامة في هذا  البلد، ولا بُدَّ من مسوّغ لهذه الإقامة، وليس لهما - بعد البحث والتنقيب - غير هذا السبيل.

خلع كل منهما معطفه السميك. نشره على كرسي (فورمايكا) ورديّ اللون لماع. جلسا متقاربين نفخا في أيديهما. فركا الأيدي ومسحاها بقفا ظهريهما، وأخذا  يقلبان النظر في كل شيء.

واجهتهما صور جدارية ملونة لمواقع سورية أثرية، وأخرى تطل على مشاهد طبيعية من جبال سورية وغاباتها وأنهارها. هذه تمثل الجسر الحجري على  نهر العاصي في جسر الشغور. تلك تبرز أعمدة  المعبد الروماني في تدمر. مآذن مسجد بني أمية تشمخ في السماء. قباب تكية السلطان سليم تتألق في شمس الضحى. أطفال حماة  يتقافزون بجوار ناعورة تعنّ وتئن. حروف عربية بالحوّار على سبورة خضراء،  مثبتة في إحدى  الزوايا. إبريق قهوة  مقلوب على قفاه. فنجان قهوة مرة مكسور، وآخر سليم.

نظر حامد في وجه عابد: هل هناك خطر؟

نظر عابد في عيني حامد: اللّه يستر!

قبض كل منهما راحة كفه على  فخذه. شدّ قبضته بقوة. لو كان معهما سلاح أي سلاح  لكان  أفضل. مسدس. سكين. لا. طبعاً معهما في الأقل سكين. بل سكينان. »نرجو ألاّ نحتاج لهما. لكن من يضمن ذلك؟« »هل تكفي السكين؟ سوف نهدِّد أيضاً بأن أخانا ينتظرنا في الشارع، وأن حزب (ملي سلامات)  على علم بالواقعة، والأمر قد يؤدي إلى مداهمة السفارة، أو نسفها كلياً إذا تفاقم، أو تجاوز الانتظار  وقتاً معيناً« في الحقيقة لم يكن لكل هذه التهديدات مستند ما. تهديدات وحسب!.

أرسل عابد برقية صامتة: ألا يحتاج موظفو السفارة إلى وثائق تثبت شخصيتنا؟

أجاب حامد  بالطريقة نفسها: لكن جوازي سفرنا ليس عليهما تأشيرات خروج من سورية!.

عبقت في أنفيهما نسمات القمم الجبلية التي تشرف على الحدود، وابتسمت لهما شمس الربيع الدافئة ومروج القمح وخدود الأزهار وشقائق النعمان  الغضة.  جنات بكر مهجورة اسمها  الحدود الدولية. الوطن كنز من الجنات والسعادة لا يعرفها إلاّ فاقدوها »إنها هجرة مؤقتة« هكذا منَّى كل منهما نفسه. زقزقة البلابل وعصافير الدوري لمن؟  ودموع الينابيع الثرثارة لمن؟ هذه المغارة المشرفة على الوادي الأخضر لمن؟ وتلك التينة  الوارفة كالخيمة العربية لمن؟! أدارا ظهريهما مكرهين لأرض التبر والآباء والأجداد، وطرقا باب المخفر التركي، وها هما الآن يطرقان جدران السفارة الداخلية.

فتح عابد كفَّيه: ما العمل؟

برم حامد شفتيه: لا عمل!

- والشهادات الجامعية التي نريد التسجيل على أساسها، ليس معنا مصدقاتها، فما العمل؟

- لا عمل!

- لو فرضنا أنهم لم يسألونا عن شيء من هذا، فلا بُدَّ أنهم سوف يسألون رؤساءهم في سورية.

- وإذا سألوا؟

- سوف يكتشفون أننا ملاحقون، وأننا خرجنا بطريقة غير مسموح بها.

قلَّب حامد كفَّيه: ألم نتحدث بكل هذه الملابسات قبل حضورنا؟

- كيف  دخلنا هذه الدخلة إذاً؟

أشار حامد بيده اليمنى في الهواء: دخلناها وانتهى الأمر.

- فعلاً. انتهى الأمر. دخلنا السفارة، وأغلق الباب خلفنا!

سأل حامد بمرارة: هل نخرج؟

- ما أدري.

- من يدري؟

- لماذا جئنا إذن؟ وهل الخروج سهل مثل الدخول؟

- ما أدري!

قفزت إلى ذاكرة حامد واقعة من طفولته: كان يسبح هو وأخوه في نهر العاصي قرب الجسر الحجري. كان النهر في أوج امتلائه واندفاعه أيام الربيع وكانا طفلين لم يتعلما السباحة بعد. إنه معجب الآن كيف غامرا تلك المغامرة! وقف هو عى طرف الأرض اليابسة، وربط أخاه  الأصغر من يده بحزامه  الجلدي، وسمح له بأن يلقي بنفسه في الماء. كيف يسبح مخلوق بيد واحدة في الماء، ويد أخرى معلقة بحزام جلدي في الهواء؟ كيف يقدمان على السباحة في أخطر أوقات النهر؟ فعلا ذلك كله وعاشا وتزوجا، وصار لأحدهما أولاد يسبحون ولا يغرقون. »آه! أين أنتم يا أولادي؟ بيني وبينكم مسافات شاسعة، وحدود  دولية، وسلطة تطاردني. وهذه سفارة الدولة هل تعتقلني«؟.

فتح أحد أبواب الغرف المغلقة، خرج منه رجل شاب ببزَّة رسميه داكنة. دخل باباً آخر. أغلقه  خلفه.

السبورة الخضراء عادت  بذاكرة عابد إلى المدرسة التي أغرته باستئناف الدراسة الجامعية والتخرج في فرع جديد، وترك العمل في الإدارات المكتبية، لينتقل إلى ميدان التربية، ذلك الميدان الذي يهواه. هل هناك من يهوى العمل في التربية في عصر الميوعة والتحلل من القيم؟  نعم هناك واحد في الأقل هو عابد هذا. في احتفال مدرسي سمع طالباً متفوقاً يخطب قائلاً: »باسم اللّه والوطن..« ولما دخل إلى قاعة الدراسة  قال المدرس عابد لطلابه:

- يبدو أنكم ضعيفون في الرياضيات.

قال أحدهم:

-  كلنا؟

- كلكم. وإلاّ من يجهل (واحد زائد واحد يساوي اثنين). طبعاً لا تجهلون هذه العملية الحسابية البسيطة . طيب. كيف نقول: باسم اللّه والوطن.  أليس اللّه واحداً لا شريك  له؟!

وجم الطلاب مندهشين، كأن الفكرة لم تخطر لهم  من قبل.

ابتسم المدرس:

- إنه خطأ شائع. وما أكثر الأخطاء الشائعة! لكن الفرق كبير بين خطأ حسابي بقرش أو قرشين، أو خطأ لغوي يمكن التسامح به. أّمّا إذا تعدَّى ذلك إلى العقيدة، فالأمر مختلف. إن اللّه تعالى لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء. نقول:  باسم اللّه الرحمن الرحيم (تذكر الطلاب فواتح السور. اللوحات الجدارية بخطوطها الأنيقة. ارتفعت قبة السماء. انبسطت الأرض. استشعروا هيبة اسم اللّه وجلاله  في نفوسهم)، ولا نقول: باسم اللّه والرسول، ولا بسم اللّه والملائكة. حبّ الوطن وحمايته  مطلوبان،  إنما ليس من الضروري ذكر الوطن مع ذكر اللّه تعالى تحاشياً للشرك. كلكم تتذكرون الحديث الشريف: (الشرك في أمتي أخفى من دبيب النمل).

فتح باب آخر من أبواب الغرف المغلقة. خرج منه رجل أشيب الشعر. قصير القامة. يلبس بزة رسمية. دخل في باب مواجه وأغلق الباب خلفه.

في الخارج لم ينقطع صوت الرعد ولا موجات المطر المتقطع، ومع ذلك كانت الشمس تستطيع  بين حين وآخر أن تتسلل من خلال السحب ، وعبر النوافذ العالية جداً لتضيء القاعة الداخلية، وتتلمس بأناملها الذهبية تلك اللوحات الملونة. سهم ذهبي حطّ على وسط اللوحة التي تحمل صورة الجسر الحجري في جسر الشغور. خفق قلب حامد بشدة: »هل هناك ما يدعو للقلق. هل هي مصادفة أن يقع الضوء الثاقب موقع السهم في صدر اللوحة؟« إن حامد  لا يعرف التطيّر، وليس من عادته  أن يحمّل الوقائع فوق ما تحتمل. على الرغم من ذلك قلبه يدق على أخشاب صدره:

»ما السبب؟ هل هو تأخر الجواب على طلب الاستمارة؟ أم أن شراً سوف ينزل ببلدة الجسر؟« شعر كأن حجارة الجسر الضخمة الرمادية أخذت تتفكك وتتداعى تتطاير في الهواء عالياً ثم تهوي في الماء. دويّ هائل. انفجارات صاعقة تصم الآذان. ذلك الجسر الأشهب الذي عبرت عليه جيوش الفرس والرومان والمسلمين والفرنسيين والمجاهدين، يمحى من الوجود. »هل هذا حلم مزعج؟«.

في  الربيع.. في مثل هذا الوقت بالذات، يقف الناس على طرف الجسر الحجري، وهم منحنون على  ضفته الجنوبية وينظرون إلى انكسار صفحة الماء على جبين الجسر،  حيث  تظهر سلسلة من فقاقيع الهواء  الملفوفة على شكل حبل طويل، يتخيله الناس أفعى سحرية ترصد كنزاً دفيناً، فينادي كل منهم:»يا حظي. يا حظي«. ومتى كانت  الأفعى حظاً للإنسان؟!.

في الربيع.. في مثل  هذا الوقت بالذات تكتسي الجزر الصغيرة حول الجسر  حلّة خضراء طرية، ويضطجع المتنزهون على تلك  السجاجيد السندسية. صخرة واحدة من حجارة الجسر الضخمة منخلعة من مكانها، مستقرة على  المرج من الناحية  الشمالية، تحمل كتابة عربية لا تقرأ  إلاّ بصعوبة: (جُدِّدَ بناء هذا الجسر في عهد المجاهد في سبيل اللّه، المحامي عن الثغور، الملك المظفر الظاهر بيبرس..). هذه الصخرة يتكئ عليها الرجال، فتنقلهم إلى  ذكريات الحروب، حروب التتار والصليبيين، أمّا النساء والأطفال  فينظرون إليها، كأنها كائن من عالم آخر.

في الربيع.. في مثل هذا الوقت بالذات يعبر أهل جسر الشغور، كل أهل  الجسر، يعبرون هذا الجسر من غربه إلى شرقه في الصباح الباكر جداً، قبل أن تشرق الشمس،  يحملون  الأطعمة والفواكه والحلويات وسلال الخس والفول الأخضر، ليحتفلوا جماعات جماعات  بعيد (النيروز)، لأنهم يعتقدون أن من يتخلف في المدينة تحل عليه لعنة الرومان.. (عين الشابية) وحقول الزيتون والضفة الشرقية لنهر العاصي تصبح مسرحاً لحلقات الغناء والابتهاج والألعاب طوال نهار ربيعي، تنعشه الشمس الدافئة، وتدغدغه نسمات الهواء البليل.

في الربيع.. هذا الربيع أصبح حامد  غير حامد، وأصبح الجسر غير الجسر. حامد في أنقره، والجسر صورة جدارية ملونة تعبث  بها أصابع متسللة.

نظر الرجلان إلى ساعتيهما للمرة العاشرة. نظرا في وجهي بعضهما. قلَّبا الأكف. سبّّحا وحوقلا. قاما وقعدا. أدخلا أيديهما في جيوبهما وأخرجاها مرات. لو كانا من المدخنين لاستهلكا كل ما معهما من سجاير. كانت الاستمارات  شغلهما الشاغل. لم يكن أمامهما غير الانتظار. لقد قررا  المغامرة، فليتحملا النتائج.  »ماذا دهى؟ وهل ثمة أجمل من النظر  إلى مشاهد الوطن  الحبيبة في بلاد  الغربة؟ وهل هناك رادّ لقضاء اللّه وقدره؟«.

انفجرت في كبد السماء جلجلة رعد قوية. استضاءت القاعة بنور باهر. أحس عبّاد بأن أعمدة  تدمر الحجريّة  تقفز من مكانها وتصدم عينيه اليقظتين. أجفل الرجل. تعوذ باللّه. خيل إليه أن الأعمدة تسبح في مياه حمراء قانية، وأن جثثاً بشرية طرية تطفو على الماء الحار وتتصادم بين  الأعمدة الباردة. في الخارج  هطل المطر شديداً. أخذ يلطم  زجاج النوافذ العالية  بقبضات الريح العنيفة. الكائنات في  الخارج كلها أخذت تهمهم وتدمدم. وفي الداخل ليس إلاّ الرجلان الكهلان ينتظران. حتى الأبواب التي كانت تفتح وتغلق بين حين وآخر توقفت عن الحركة  »ماذا يدور داخل هذه الغرف المغلقة؟«.

أشعة الشمس الذهبية المتسللة من النوافذ  العالية احمرت سهامها. صبغت  اللواحات الجدارية بلون  أحمر لاهب. يخيل لمن يرى اللوحات لأول  مرة أن سورية كلها تحترق: بيوتها، أشجارها، أرضهاوسماؤها. الأطفال الذين كانوا يتقافزون في الماء بدوا وكأنهم يتراكضون هرباً من مياه حامية  تتطاير ذؤاباتها من شدة الغليان. رذاذ الماء الذي نثرته الناعورة حولها كالضباب صار أشبه بالدخان الكثيف فوق اللهب وحوله. ظن حامد أنه وحده الذي شعر بهذه المشاعر. تطلع  في عيني عابد الزرقاوين، فوجده يحس الإحساس نفسه. تعجبا وتساءلا صامتين: »ما الحكاية؟ لا يجوز التطير.  أليس كذلك؟«.

خرج من إحدى المغلقة. رجل جاوز الأربعين، طويل القامة، ممتلئ الجسم، لدرجة  أن له عكنات مترهلة تحت حنكيه، أبيض البشرة، أشقر الشعر، عيناه خضروان. إنه زميل سابق ورئيس تحرير جريدة »الشهباء« المؤممة. هو الآن قنصل. هل رآهما؟ إنهما يعرفانه جيداً. تراه هل يعرفهما أو يذكرهما؟ لم يكلمها، ولم ينظر إليهما. دخل غرفة أخرى أغلق الباب  خلفه.

مع تطاول الزمن وظهور هذا الرجل  دخلت القضية مرحلة   الخطر.  على الرغم من ذلك اشتد تصميم الرجلين على الانتظار ومواجهة النتائج  أيّاً كانت. إذا كانت سورية تحترق، فلا  أقل من أن يتحمل اثنان من عشاقها بعض  الألم. كيف لا تحترق وقد اعتقلت السلطة عشرات المواطنين  الشرفاء في كل محافظة: نقابيين، أطباء، محامين، طلاب، مدرسين، والحبل على الجرار.. »طاب الموت واللّه« كل منهما تحسس سكينه  في جيبه. »إي نعم طاب الموت!«  عجب الرجلان  الكهلان لنفسيهما تقولان هذا القول، وكانا قبل أسبوعين يحملان الشبان المتحمسين  على مغادرة البلاد. دفعاً للأخطار وتوقياً للصدام: »موجة اعتقالات.. بضعة شهور من الاعتقال، ثم تعود المياه السطحية إلى مجاريها«.  هكذا خطط الرجلان لمستقبل المواجهة  التي شرعت السلطة فيها. كانت أحوال البلاد العامة أشبه بهوة عميقة بين الشعب والسلطة، غمامتان كثيفتان، مشحونة كل منهما بشحنة كهربائية مضادة (سالب. موجب). عقلاء  الشعب يتفادون الصدام لما فيه من هول ودمار، لكن الاحتكاك قائم، والانفجار متوقع في أي لحظة.

أخيراً نودي على حامد عبدالواحد  وعابد والبستاني. كان المنادي ذلك الرجل  الأشيب القصير القامة. نهض الرجلان يتصنعان الهدوء والاتزان. تقدما من نافذة (الاستعلامات) حيث كانت  ورقتان صغيرتان  تنتظرانهما. أمسك  كل منهما ورقته.  رسم ابتسامة على  شفتين  يابستين، أدار ظهره، يريد اختراق الباب الخارجي، وهو لا  يكاد يصدق. حين خرجا إلى الهواء الطلق ونور النهار، وجدا طريقهما مفروشاً بعدد من الأسئلة التي لا جواب لها:

- هل كانت الموافقة على طلبيهما عادية لا تخفي استدراجاً؟

- لماذا لم تسألهما السفارة عن وثائق الهوية  والشهادات الجامعية؟

-  لماذا تأخر الجواب أكثر من ساعتين؟

- هل اتصلت السفارة مع وزارة الخارجية السورية أو المخابرات العامة؟

- هل أصبحا  منذ الآن تحت المراقبة؟

              

 * كاتب سوري عضو رابطة أدباء الشام