النبأ الفاسق

محمد حسن فقيه

[email protected]

أسماء فتاة جميلة حسناء ، طويلة القد ممشوقة هيفاء ، لها عينان نجلاوان زرقاء ، وخدود متوردة حمراء ، وضفيرتان ذهبيتان صفراء ، لفعتا بملاءة حريرية بيضاء  .

 في جبينها نور وبهاء ، وفي وجنتيها خفار وحياء ، تربت على الصدق والصفاء ، وأحبت الخير والوفاء ، لجميع الناس سواء .

 وسمير شاب طائش شرير، معدوم الوازع والضمير ، خسيس النفس وحقير، حقود وخبيث التفكير.

 لا يحترم صغيرا أو يوقر كبيرا ، ولا يقدر شيخا ، أو يعز أميرا .

صوته صفير ، نومه شخير ، ذكره شؤم ونذير، يطمع بالكثير، ولا يرضيه اليسير .

وهو مولع باصطناع الفتن ، ما ظهر منها وما بطن ، وارتكاب الأهوال والمحن .

وهو في الشر كثير التجارب ، يفعل العجائب ، وينذر بالمصائب ، وهو في كل النوائب ، سوء الخل والصاحب . 

حاول مرات كثيرة ، مغازلة الفتاة الأميرة ، فصدّته باحتقار أمام أبناء العشيرة .

فامتلأ حقدا ، وغدا وغدا ، يقطع وعدا ، ليكيد كيدا ، ويخطط عمدا ، ليقتل عبدا .

وأخوها سعيد ، طويل القامة مديد ، البطش فيه شديد ، والشر فيه وليد ، والعنف فيه تليد .

شكله عتيد ، طبعه عنيد ، كلامه وعيد ، عزمه حديد .

طويل القامة ، ضخم الهامة  ، ولبّه عقل النعامة .

عريض المنكبين ، غليظ الكفين ، ثقيل الرجلين ، منتفخ الشدقين ، أحمر المقلتين .

ذهبت الفتاة الأميرة ، تصحب أمها الضريرة ،إلى مشفى المدينة المجاورة الصغيرة.

ولسوء الأحوال والأقدار ، التقت الأشخاص والأبصار، في خضم الناس والزوار .

 ومضى مغتاظا الغدار، لا يهدأ له بال  ولا يقر له قرار، وصدره يغلي حقدا ويشتعل نارا  ما لها من أوار .

بيّت في نفسه الأذيّة ، فهو مجبول على سوء الطويّة ، وراح يعصر ذهنه ليستلهم فكرة جهنميّة ، لينتقم من تلك الفتاة العفيفة الأبيّة ، ويشفي نار حقده وغلّ نفسه الدنيّة .

- أسرع ......... إن هناك أمرا خطيرا يراد له التمرير، بالعناية والتدبير ، أيها البطل الأمير .

- تكلم وكن فصيحا، وأسمعني الخبر الصريح ، وإلا ستلقى ما لا يريح .

- أمرك يا عزيزي الودود .......... إنه جنين أو مولود ....

- قلت لك أفصح أيها الوغد الحقير ، وإلا سينالك شر مستطير ، وأجعل منك عبرة للصغير والكبير.

- عفوك يا عزيزي المحترم ، ولا تتعجل قبل أن تعلم ، وإلا سيحل بك الندم .

 والدتك الحنون ، وأختك المصون ! ذهبتا إلى المستشفى لإخراج المكنون ، بعيدا عن العيون .

- وما هو المكنون ، أيها الأخرق المأفون .

 - كما أخبرتك يا صديقي ، ونور قلبي ورفيقي .

 - أيها الوغد تكلم ، وإلا  فحالا  ستندم ! .

- قد أخبرتك يا عزيزي الودود ، إنه جنين أو مولود ، سيخرج من بطن عذراء قعود .     

وهنا طار الصواب ، فنظر نحوه بارتياب ، وقد أرتج عليه الجواب ، ثم أسرع يجري نحو الباب .

أيتها الذبابة الحقيرة ، أيتها السافلة الشريرة، سأجعل منك عبرة للصغيرة والكبيرة.

- إهدأ يا ولدي المصون ، وكفّ عن هذا الجنون ، وأخبرني بالذي كان ويكون ، ولا تكن أحمق أو مأفون ، يتلاعب بك المغرضون .

- كفي يا أماه عن الحوار، ودعيني أغسل هذا العار ، بعد أن لطخ  شرفنا بالطين والشنار، وإلا فالموت والدمار، لمن يواجه الإعصار ، ويقف في وجه المغوار .

- لقد افترى عليك الكذّابون ، وزيّن لك الخرّاصون ، وحبك فتنتها الظالمون ، فاهدأ يا ولدي المغبون ، واشرح لي سبب هذا الجنون .

رفع بندقيته في الهواء ، وأطلق رصاصة في صدر الفتاة العذراء ، فسقطت  تتفجر منها الدماء ، وهي تصرخ بعز وكبرياء ......... إشهدي يا أماه أنني بتول عذراء ،  أصفى من النقاء ، وأطهر من ماء السماء .

- اسمعوا يا سامعين ، غضبي عليه إلى يوم الدين ، ولعنة الله تركبه مع الظالمين ، والكفرة المجرمين .

قتلت أختك الطاهرة ، بوشاية فاجرة ، وفتنة مدبّرة ، فلعنة الله عليك إلى يوم الآخرة .

صحا المجنون من سكرته ، وفطن إلى فعلته ، فأمسك ببندقيته ، وجرى يبحث عن ضالته .

وما إن التقى بالشرير، حتى أدرك الحقير، فعله الخطير، وكيده الشرير ، وها قد جاءه النذير، والشر المستطير .   

صرخ تارة يستنجد ، وأخرى يرغي ويزبد ، وأحيانا يبكي ويرتعد ، وأخرى يهدد ويوعد .

صوب سعيد بندقيته السمراء ، نحو جبهة المفتن الصلعاء ، وأطلق رصاصة عمياء ، فحولت جمجمة الشرير إلى أشلاء ، وقد نفرت منها الدماء ، فروت الأرض الجدباء ، منتقمة للبتول الطاهرة العذراء .

 صحا سعيد على الأصوات والنداء ، ورأى رجال الأمن قد أحاطوا به من كل الجهات والأنحاء  .

 ولا أمل في هروب أو فرار ، فقد ضيقوا الخناق وأغلقوا الأسوار .

قيدوا يديه بالسلاسل والحديد ، وساقوه الى السجن التليد ، ليلقى عقابه الشديد ، كأي جبان رعديد .