هدية العيد

نور الجندلي

[email protected]

مشت ذاهلةً عن نفسها تبتسم بفرح ، تجتلبه عنوة إلى القلب ، فقد آن أوانه كي يفرح ..

فالليلة عيد ..

جرّت قدميها عنوة تحت المطر ، وحذاء مثقوب يبتلع ماء الأرصفة المحطّمة .. ثمَّ يلفظها بعد أن يلامس قدميها المتجلدتين برداً .. لترتعش وتغطي رأسها بسترتها المرقعة ، وتواصل السير .. لم تكن تأبه للبرد ، فقد سحرها منظر مدينتها المدمّرة ، وهي تغتسل تحت المطر ..

إنها المرّة الأولى التي تتسلّل بها إلى الشوارع ليلاً فلا تجد على الأرصفة دماء ، ولا تسمع أصوات نحيب ..

فتحت ذراعيها وركضت .. وكأنه قد خيّل إليها أنها ترى شبّح والدها الشهيد ..
ركضت أكثر ..
باغتها البرق بسناه القوي ، وعصف بها صوت الرّعد فاختبأت كأرنبٍ أبيض صغير يحتمي من خطر يداهمه ..
اختفت تحت حطام مبنى متهالكٍ بفعل العدو ..
ابتسمت ثانية وهي تردّد بصوتٍ خفيض " الليلة عيــد " !
-
كلّ عامٍ وأنتِ بخير ....
صرخت فزعاً لذاك الصوت ، والتفتت .. إنه شبحٌ صبيّ في عمرها يحتمي من المطر في نفس المكان المهجور !
- من أنت ؟ سألته برعب ..
-
صديقكِ في المدرسة! ألم تعرفيني ؟ أنا عبد الله ..
- عبد الله ! لم أعرفكَ ! أخفتني .....
- لا عليكِ .. مالذي جاء بكِ إلى هنا في هذه الساعة المتأخرة من الليل ؟
- جئتُ أبحثُ عن أبي .. لأعطيه قبلة العيد ..
- وأنت ؟
- جئتُ أبحثُ عن العيد .... !
- لن تجدهُ فقد غادرنا منذ زمان بعيــــــد ..
-
كما ترين .. الليلة ساكنة ، والمدينة تبكي مع السّماء ..
- يااااااااه ما أجملَ السّماء .. وهي تبكي رحيلَ القمر !
- تركتُ أمّي تخيطُ لي بنطالاً جديداً ..... هو ليس جديداً حقاً فقد كان لأخي عاصم الذي أخذوه أسيراً ، لن يغضبَ مني حين يراه .. ما أجمل البنطال ! بدا جديداً .. لن أضطر لارتداء بنطالي القديم !
-
وأنا تركتُ أمّي تصنع مع جاراتها الحلوى ، لم تجد طحيناً ، ولا سمناً ، لقد نفذت مؤونتنا لهذا الشتاء ، وكانت تبكي .......... حتى طرقن الباب عليها وهنّ يحملن الدقيق والسمن والسكّر ، ورحن يغنين ويصنعن حلوى العيد ....
- هيا الآن لنرحل ، قد تقلقُ أمّكِ عليكِ
- لا لن أرحلَ قبلَ أن أهدي والدي قبلة العيد .. فقد ناداني وأخبرني بأنني هديته ، وبأنني سوف أقضي هذا العيد معه ..
- والدكِ ماتَ شهيداً ، ولن يعود .... إنه في الجنَّة !
- لكنني أراه هناك .. إنه قريب منّي جداً ، هاهو يبتسم ويمدّ ذراعيه ليحتضنني .. إنه في مكان جميـل ..
سأذهب إليه ..
-
أين ؟ لا أراه ؟ لا أحد سواهم ، لقد عادوا بطائراتهم ليعكّروا جمالَ الليلة ، إنهم يبدؤون القصف .........
عودي ...... عودي ستكونين ضحيّة لألعابهم النّاريّة ....
- بل سأكونُ لمدينتي شهيدة ......... سأكون هديّة العيد !