احتراق
احتراق
ربا زيدان
كانت ترجوه دائما بأن يطفئ سيجارته المشتعلة...والتي كان دخانها يتغلغل في مساماتها ليكتم نقاء النفس لديها....
وكانت تحاول، بشتى الوسائلن اقناعه بأ، تشبثه بهذه اللفافة...لهو نوع من أنواع الانتحار، موت مؤذ وبغيض....
وكان يتلذذ هو باغاظتها...واشعال عصبيتها مع كل مرة يشعل فيها لفافته.....
" ألا تعلم أن الاحتراق يعني نهاية؟؟"
" أو لا تدركين أن النهاية قد تكون بداية؟؟"
" ألا تدرك أن هذا السم يدمر اعصابي ويفتك بصبري قبل أن يقتل خلاياك؟"
"أولا تعلمين أن كل رشفة تهدئ أعصابي وتجعلني أقدر على احتمال الحاحك اللامتناهي؟"
" أو لا تشعر بالأسى حين تلوث هواء يحيط بي؟!!"
" أو لا تشعرين بالتسلط حين تمنعينني من شيء أهواه؟!"
وهكذا...كانت حواراتهما تنقلب دائما الى جدال...الى حرب كلامية عقيمة، ولا تلبث ان تظل هي على عنادها واشتعالها، وهو على احتراقه....وحرقه لأعصابها...
والمثير للدهشة...انها كانت ترى في طريقة امساكه باللفافة...لذة اسطورية...كان مشهد أصابعه النحيلة تلتف على تلك القاتلة...مثيرا للغاية...
ورغم مقتها لتلك العادة...كانت تجد نفسها متلبسة في كثير من الأحيان بمراقبة تلك الشفتين ترسلان سحابات دخان مسلية ..تنتشغل هي بمراقبتها تتلاشى...
والأدهى من ذلك...أنه كان يشعر بهذا الاعجاب اللامفسر..مما يجعله ينتشي بهجة في كثير من الأحيان...ولا يستمع لاعتراضاتها...
ثم، وفي مشهد سبق توقعه....تدهورت حالته بشكل مفاجئ، وما عادت تلك الأصابع المنحوتة بقادرة على حمل لفافة....باتت ترتجف ضعفا، وبات قلبها يرتجف هلعا....
وبعد أن أدخل الى المصحة، واكتشف أن المرض قد فتك بقلبه، وشرايينه، وكله....
وبعد أن باتت العودة مستحيلة..والجرح أليم، توقفت نقاشاتهما الأزلية، وماتت الاتهامات المتبادلة,,,
وجلست هي أمامه ,,,صامتة..جامدة..كتمثال شمع غاضب..شمع ملتهب ألما، وحسرة ..ومرار...
وانتظرت طويلا ...طويلا ...أمام سريره الأبيض...يوما..ويوما....ويوم...
وعندما فتح عينيه ذات صباح، لمح غيوما رمادية تحلق في سماء الغرفة البيضاء..غيوم لا تلبث أن تتلاشى...غيوم بات يعرفها جيدا..
"ماذا؟؟...أنت,,وبيدك لفافة؟!!!!؟
"..............."
"أنت...تحترقين..."
" ومن قال أن الاختراق يعني النهاية؟؟ ألا يكون بداية ؟؟"
وساد صمت قاتل، فهو يعرف هذه العبارة جيدا.....
هي:".....بداية النهاية...."
وتأمل هو أناملها الجميلة تحتضن مصدر آلامه وسعادته السابقة، وارتجف خوفا عليها....
وصمت..............