بقايا حلم
رندا المهر
تنظر اليه كأنه لا يليق بها ، ليس استهانة به بل بنفسها ، ويديه تشابكت بيديها ، يجلسان على الارض، تحت شجرة لوز عالية ، ترتفع بعينيها الي اغصانها ثم تهبط بهما الى الارض تهرب أو تتأمل قصص .... قصتها عليها امرأة ، تبحث أين التقت بها، تضيع في مكان وزمان تفقد معالمهما تبحث فيهما عن وجه لم تفقد معالمه ، وجها انتفض حياة لامرأة ، ذات عينان سوداوان تنطقان .... ما في مستحيل ، يهتز رأس المرأة بتلك الكلمة ، وتسقط على جبينها خصلة سوداء، فيرتعش انفها المدبب إلى أعلى ، ثم تبتسم ابتسامة تكشف عن أسنان صفراء ، تكوم تحت هذا الوجه جسد بملابس ضاقت عليه ، رفعت نهدين متهدلين ، كم من مرة ضربت عليهما كلما حلفت وأقسمت صحة أقوالها ، كانت تصدقها لكن تستغرب وتتساءل: لماذا لا يصير لها قصة كتلك القصص؟ ، ابتدأ حديثهما بفنجان قهوة ، قلبت الفتاة فنجانها بعدما نوت ، رفعت تلك المرأة الفنجان و تمتمت ........ ثم قالت لها : سفر طويل ، عريس ، أخبرتها بما يشبع رغباتها وما تعرفه عنها ، ضحكت وضحك هو ، لم يعرف لماذا ضحكت .
صبت المرأة لها فنجانا آخر، ثم سألت الفتاة: أيعقل أن تتحقق الأحلام ! ، ترد المرأة ... ماذا ينقصك ؟ تتأمل المرأة ، تتفحصها بعينيها الخضراوتين ، كأنها تبحث عن الشيء الذي لا ينقص المرأة .. تتساءل .. ماذا وجد فيها زوجها ، لماذا تزوجها ؟؟ ،اغرورقت عيناها بدمعة ، رفع حبيبها يديه يمنعها من السقوط .
ضاعت الفتاة في متاهة قصص تلك المرأة ، تستمع إلى المرأة كيف تزوجت ، تنظر إلى شفاه تبتسم كأنها بهما تستمع لا بعينين تلك المرأة ، فتقول تلك الشفاه : تصوري بنت حلوة ، أحلى مني ......
تضحك المرأة عاليا، تضحك كأنها تسخر من حقيقة لا يمكن ان تنكرها ، فهي تعلم انها لا تملك أي صفة من صفات الجمال .
تتابع الفتاة تلك الشفاه تقول : كانت برفقتي في حفلة ، جميلة جدا لكن رغم جمالها، أحبني أنا ! لم اصدق انه يريدني أنا، إلا عندما جاء يطلبني ، تضحك مرة أخرى ، تعترف لنفسها أنها لم تكن امرأة جميلة ، ثم تمصمص شفتيها وتربط إبهامها بإصبعيها الوسطى والسبابة ، وتلف بهما على رأسها تدعو : ما شاء الله ، يكفينا شر الحاسدين ، وتضرب على صدرها ، تحلف : والله ما في مستحيل على ربنا .
تستغرب الفتاة من المستحيل الذي تعيش به، من المستحيل الذي يمنع حبيبها من الاقتران بها، انه بين يديها لكنها لا تملك القدرة التي تملكها الان ، انه يشد يديها الى يديه، بسهولة تفلتهما من يديه ، تتركه وتهرب الى دنيا تلك المرأة، تبقى معها ، تستمع بشغف الى قصة ثانية ........
يتماثل أمام ناظريها صحنا فيه بطيخ ، تضعه المرأة ، تمد يديها إلى شوكة في الصحن ، ترفع بالشوكة قطعة منه إلى فمها ، تبرد نارها ، تنظر للمرأة ، تتمنى أن يأتيها نصيبها مثلما أتاها ، لكنها تجد المرأة تشد قبة بلوزتها ، تخبئ صدرها ، فلا نار في صدرها تحرقها ، إن النصيب لعب دوره في حياتها ، انه ملكها الآن .
تتساءل الفتاة في سرها : أين نصيبي ، تتعب من كلمة النصيب التي تلاحقها أينما سارت ، فتلقي برأسها على ساق شجرة اللوز ، وتطلق تنهيده ، يقبلها حبيبها قبلة خاطفة.
إن جميع الناس لديهم حكايا ولا في الخيال،إلا حكاياتها تفتقد الخيال كله وليس بعضا منه .... تعود إلى المرأة ، تستمع إلى حكاية من حكايا الخيال الذي يملكه كل البشر ...
حيث تسرد المرأة قصة لامرأة في الأربعين من عمرها ، فتقول: هذه البنت عمرها فوق الأربعين ، لم تخرج في يوم ما من بيت أهلها، لكن ربنا لما يريد يريد .
سألت الفتاة : تزوجت ؟!، فردت المرأة : نعم ، وقبل شهر.
ذهبت المرأة وعادت بصورة – أشارت بإصبعها إلى وجه فتاة في الصورة- ، ثم قالت : انظري هنا ، انظري ، هاهي .
تأملت الفتاة الصورة ثم قالت : عادية.
خبأت المرأة الصورة تحت الفرشة التي تجلس عليها ، ثم استطردت تقول : أهلها لم يرضوا تتزوج إلا لما سألوا عن العريس .
استغربت الفتاة : هي كبرت ، لماذا يسألون ؟
أجابت المرأة : الذي له نصيب سوف يأخده .
همست الفتاة بسرها .. إلا أنا ما لي نصيب ، ثم سألت بحسرة: هل تزوجت ؟
ردت المرأة : نعم ، لكن بعد ما سألوا عنه ثلاث مرات .
الفتاة : ثلاث مرات !
تؤكد المرأة الاجابة : نعم
تستفسر الفتاة : كيف؟
ترد المرأة بعينين مرتاحتين : القصة ينقصها شاي ، بسطت الفتاة قدميها على الأرض ، وذهبت المرأة تغلي ماءا ، ثم عادت بصينية تهتز أساورها مع الكاستين والإبريق وصحن السكر، وقلب الفتاة يغلي شوقا وبشغف طفلة صغيرة ، وضعت رأسها بين كفيها واستمعت إلى المرأة ، تقول : هؤلاء الناس زي زمان .
سألت الفتاة : كيف يعني ؟
سكبت المرأة كوبا من الماء المغلي ،حلت به كيسا من الشاي، ثم سألت الفتاة: تحبينه حلو ؟
أومأت الفتاة برأسها تقول ... نعم ،وفي الوقت نفسه لسانها لم يكف عن السؤال: كيف يعني ؟
أجابت المرأة : طيب اسمعي، وتابعت تقول : راحوا يسألوا عنه قبل ما يعطوه كلمة ، سألوا صاحب بقالة جارا لهم فأجاب: هؤلاء يطلعوا الذهب من تحت الأرض .
قالت الفتاة : كيف ؟
ردت المرأة: يعني يشتغلون.
نظرت الفتاة إلى حبيبها, تطمئن انه لا يفقد هذه الصفة , ثم سألت الفتاة بشوق فيه حسرة : وثاني مرة .
فردت المرأة : سألوا امرأة عجوز جارة لهم فاجابت: لو كان عندي بنات ، ناسبتهم.
فسألت الفتاة : كيف هذا ؟
فأجابت المرأة بحرارة ، كأنها تستنكر جهل الفتاة : يعني عندهم أخلاق.
حاولت الفتاة أن تستحلي الحياة ، أن تنصب لها المرأة أملا من خلال كاسة شاي،
فسألت : أيعقل أن يكون هناك أناس صادقون؟؟
أجابت المرأة : انه النصيب .
تحسرت الفتاة على حياتها الذي لم يلعب النصيب له دورا فيه ثم سألت : في ثالث مرة من سألوا ؟
أجابت المرأة وفي فمها حكايا لم تنته بعد : سألوا عنه صاحبا لهم، فأجابهم: أعطوهم وانتم مغمضين .
بكت الفتاة بصوت لم تعرف أن تحبسه وقالت : أريد بقايا حلم فقط يا رب .