يوسف في البئر
يوسف حامد أبو صعيليك
الظلام ينتشر دامساً من حوله ، ولكن ليس أشد حلكة من ظلام قلوب الأخوة الأحد عشر، تكور على نفسه من شدة البرودة ، صدرت عنه آهة تشكو برودة قاع البئر وقسوتها ، ارتدت إليه بعد أن اصطدمت بجدران البئر الصماء .
عواء الذئب ينتشر في الأصقاع الباردة .
- لماذا يستمر في العواء ............... ألم يشبع يعد ؟.
تظهر عينا راحيل الباكيتان من خلال الظلام .
- انظري ماذا فعلوا بي أمي ، ........ البرودة تمزق أوصالي ..... قتلوني يا راحيل .
قالت عيناها :
- استجب لهم يا يوسف .
- يريدون أن أنقلب إلى ...... ذئب !.
وبكت راحيل .
- لماذا تبكين ؟.
- كلنا ذئاب يا يوسف .
صرخ يوسف :
- لا ....... لن أصبح ذئباً .
قالت مشفقة :
- سينقلب البئر إلى وحش يمزقك .
- إن تحولت إلى ذئب سآكل نفسي في نهاية المطاف .
- عد إلى حضني يا يوسف .
- هل أعود ذئباً ؟.
أغمضت عينيها بأسىً ، ولم تفتحهما .
- عودي يا راحيل ...... لست أحتمل الوحدة .
ضحكات الأخوة الأحد عشر تأتيه من خلال فتحة البئر ، الظلام يزداد حلكة ، ويزداد معه الخواء في لحظات الصمت ، تصل إلى سمعه مجموعة أصوات عاوية ، كان عواء قطيع من الذئاب ، خيل إليه أن ذئباُ يحمل في فمه أحد عشر ناباً أسوداً قد أطل من خلال فوهة البئر ، غطى عينيه بكفيه ، وصرخ نافيا :
- لا ....... محض خيال .
ظلمات البئر تصدر صريراً يشبه الضحكات ، صوت نواح أم يأتيه من عالم بعيد ...... بعيد .
- عودي يا راحيل ..... ضميني على دفء حضنك .
صقيع الصحراء بدأ عواءه المجنون ، عاد يوسف للتكور من جديد :
- لماذا سرقتم قميصي ؟، يكاد يقتلني الصقيع .
ثم عاد كمن ينفي :
- لا ،.... لقد مزقه الذئب .
لا تبك يا يعقوب ، عد إلى فراشك ،..... يوسف أكلته الذئاب وانتهى أمره منذ زمن موغل في القدم ، فلماذا البكاء يا يعقوب ؟.
- هاهم يرقصون حول النار ، … يرقصون ……. ويرقصون …. ويرقصون .. إلى أن يتساقطوا حول النار الراقصة .
صاح ذئب :
- انتهى يوسف إلى الأبد ، قتلته الذئاب ، ولن يعود ، ….. ابكوا يا أخوتي فرحاً ……. ابكوا.
بنيامين مات أيضاً ……. تحول إلى ذئب يعوي .
عاد الذئب بنيامين إلى البئر ، وأطل براسه :
- لقد كبرت كثيراً يا يوسف .
لم يجبه يوسف ، نهش بنيامين الذئب ذراع يوسف فاقتلعها ، صرخ يوسف ألماً ، قال بنيامين ساخراً :
- مت بجراحك النازفة .
نزفت الدماء من الجرح ، وغطى دمه أنحاء جسده .
- لماذا يا بنيامين الذئب ؟.
عاد وأطل برأسه :
- الذئاب لا تعترف بك ،……. عد من حيث أتيت …… إلى رحم أمك .
صرخ يوسف كمن تذكر بعد نسيان طويل :
- أمييييييييييي ...... راحييييييييييييييييل .
عاد بنيامين الذئب ، وضحك بغرور :
- أنج بنفسك يا يوسف .
- ماذا تريدون ؟.
- أن تنقلب إلى ذئب .
- لا أستطيع .
قال بنيامين :
- إذن ، فلتلتهمك الأرض .
بعد ليال عاد بنيامين الذئب مستفسراً :
- يوسف أيها الصديق ……. أفتني في نجم هوى من السماء إلى قيعان مجهولة ، اختفى هناك ثم لم يعد .
قال يوسف باطمئنان :
- إنك لتنعى إليَّ نفسي .
ضحك بنيامين ساخراً :
- لسوف تريحنا من عنائك أيها .......... الإنسان
ازداد تدفق الدماء النازفة من جراحه ،... أسند رأسه إلى صخرة حادة ، ولم يعد يبالي بالألم النازف من جراحه ، فتح عينيه المغمضتين ، اتسع شق صغير في قاع البئر ،....... أخذ يزداد اتساعاً ... اقترب من يوسف ، أخذ يشد جسد يوسف إليه ... لم يستطع الجسد المنهك المقاومة ، ابتلعه الشق ،............ وغاص يوسف في بطنه .