حينما كنتُ أسكبُ فناجين القهوة..

حينما كنتُ أسكبُ فناجين القهوة..

ماجدولين الرفاعي

[email protected]

هل أنتٍ تتشبهين بالصبيان؟

كانت أمي تردد تلك العبارة دائماً, ربما لأنني حرصت على أن يبقى شعري قصيراً وداومت على ارتداء الجينز مع حذاء رياضي ولازلت أتحسس مكان الصفعة التي كانت من الوالدة حين رأت الجينز وقد اقترب لونه من البياض بعد شرائه بيوم واحد! وعلمت أنني نقعته بمحلول حمضي ليصبح كالحاً.. لأنني أحب ارتداء آخر الصرعات! وكنت مقتنعة بما أنا عليه. وقد سعت والدتي لأن تجعلني فتاة رغم خوفها الدائم عليَّ من ذكور المجتمع المتوحشين حسب قولها.

كانت تقول دائماً: الرجال جميعهم ذئاب فاحرصي منهم! وحقيقة الأمر أنني لم أكن أشعر حينها بأنوثتي، غير أني لم ألحظ شراسة الذكور أو وحشيتهم. فأول رسالة غرام وصلت لي كان صاحبها رقيقاً بما يكفي ليكون ملاكاً.

مراهقتي القصيرة ورقابة أمي المستمرة لم تتيحا لي فرصة إقامة علاقة حب.. أو أن أصبح عاشقة! رغم كثرة المعجبين الذين كانوا يرسلون لي الرسائل بوساطة صديقاتي، والتي سببت لوالدتي الخوف بعد أن ضبطت في حقيبتي المدرسية عدداً منها، فيها من الحب ما أرعبها أكثر مما لو رأت عقرباً..! ولن أتمادي في وصفي لتلك العقوبة التي نلتها.. لكم أن تتخيلوا!

تريدني والدتي فتاة جميلة داخل قفصٍ.. تسرّ الناظر.. ولا يستطيع أحد لمسها إلا ذاك الأمير الذي سيحضر بسيارته البيضاء ليتوجني أميرةً في بيته..!

كانت الرقابة صارمة لدرجة أني لم أستطع التأخر عن العودة من المدرسة ولو دقيقة واحدة.. لأجد أن الجميع بانتظاري يرقبون خط سيري من المدرسة إلى البيت ويتفحصون المارين كي لا يكون بينهم معجب مشبوه يسير خلفي.

لم تكن علاقتي بوالدتي كعلاقة أي أم بابنتها.. ولا أعلم الأسباب. إذ لم تحدثني يوما عن الزواج، ولا عن الجنس، ولا حتى عن الدورة الشهرية..! كان هناك حاجز دائمٌ يفصلنا. وكنت، حين أقدم القهوة لصديقاتها، أدلق نصف الفناجين خجلا.

تطلب مني أمي الجلوس كي ترى صديقاتها جمالي! وتأخذ بوصف طريقتي بالطبخ، وشطارتي بعمل الحلوى والمحاشي! وأقسم أنني لم أكن أتقن أيا مما كانت أمي تستعرضه لهن! لكنها محاولة منها لإيجاد عريس تسلمه الأمانة التي أتعبتها.

كلما تذكرت طريقة أمي في حراستي أضحك! فقد كانت تسير مرة إلى يميني ومرة إلى يساري خوفاً من أن يلامسني أحد المارة! ولازال أذكر ركضها وراء شاب بدراجة هوائية اقترب مني ولمس يدي..

لا أدري ربما براءتي وقتها لم تكن تسمح لي بالتفكير أن هناك ما يخشاه الأهل على بناتهم لهذه الدرجة! ولكني أخيراً اكتشفت ما هو الشيء الذي يخاف الأهل أن تفقده بناتهم.. وجاء اكتشافي هذا بطريقة بشعة جدا مازالت آثاره تثير الاشمئزاز والقشعريرة في جسدي! فقد كانت نهاية العام الدراسي.. وأنا في الثالث الإعدادي.. انصرفنا مبكرين جداً من المدرسة بعد أن أخذنا برنامج الامتحان.. كانت فرصة لا تعوض بالنسبة لي أن أذهب مع صديقاتي لتناول طعام الإفطار في بيت إحداهن، ونعود دون أن يعرف أهلي عن غيابي..! وهذا ما حصل فعلا.

عدت من زيارتي وأنا أشعر بالنصر لأني استطعت التهرب من مراقبة والدتي، لأجد أن كل أقاربي في المنزل، ووالدي منهار يجلس أمام باب المنزل مشهراً بارودةً للصيد جاهزة للإطلاق.. اقترب الجميع مني بطريقة مرعبة! لكن والدتي زجرتهم وسحبتني من يدي إلى الداخل وأنا استغرب حبها المفاجئ لي ودفاعها عني!

لم يطل استغرابي كثيراً بعد أول صفعة تركت أثراً على وجهي لمدة أسبوع.

اقتربت والدتي مني وعيناها تقدحان شرراً وقالت:

هل تعترفي وحدك أم أخذك إلى الداية (القابلة)؟!

ماذا؟!

لم أفهم.. أقسم أني لم أفهم ما قالته!

فعادت لتقول: انطقي.. ماذا فعل معك؟! هل حصل شيء؟!

أقسمتُ لها أني كنتُ مع صديقاتٍ بناتٍ.. لكنها لم تصدق، وجمهورها الذي في الخارج، إلا بعد أن أخذوني إلى بيت صديقتي.. وتأكدوا من صدقي..!

لقد اقتنعوا ببراءتي..!

وعرفت وقتها أن لدي كنزاً علي المحافظة عليه..!