صورة للخوف
صورة للخوف
ماجدولين الرفاعي
[email protected]
لم تكن تلك زيارتي الأولى لمدينة حلب ، هذه المدينة التي لم أشعر بدفئها يوماً ، رغم عراقتها وقدمها في التاريخ والتي تحكي عنه أوابدها وقلعتها الشامخة رغم تعاقب المحن عليها .
لا أدري فبرغم شريط الذكريات الجميلة الذي عشتها في حلب إلا أنني لم أصبح من عشاقها ويبدو أنَّ قصة موت حبي هناك هي العامل الأقوى الذي جعلني أنفر منها ولا أحن إليها فقد شهدَت حدائقُ تلك المدينة ومقاهيها قصة حبي التي ماتت هناك في مشهد مايزال يحفر ذاكرتي .
زيارتي هذه المرة لحلب جاءت بدعوة من الأصدقاء ورغم محاولاتي للتهرب من زيارةٍ قد تفتح جروحي إلا أنني لم أستطع التهرب أكثر وفور وصولي إلى المدينة اعتراني حزن وانقباض غريبان لكنني كنت أراوغ في تعليل أسباب هذا الشعور .
ساحة سعد الله الجابري من أهم الساحات في حلب وهي من المناطق التي أعرفها جيداً ولهذا توجهت مباشرةً إليها لعلني من هناك أركب سرفيس أو سيارة تقلني إلى حيثُ أريد .
مساءاتُ تلك المدينة حزينة جداً وباردة .. لم أحتمل الوقوف طويلاً أشرت لسيارة عابرة ودفعت للسائق بورقة تحمل العنوان بالتفصيل ، كنت أتصور أنني ذاهبة إلى أحد أحياء حلب ، نظر إلي السائق في مرآة أمامه وسألني : هل تعرفين المكان ؟؟
ترددت بالإجابة ثم قلتُ : لا
تابع قيادته صامتاً .
بدأت السيارة في الخروج من المدينة والليل يزداد رهبة وبدأت ألمح مزارع موزعة على جانبي الطريق .. أين يمضي بي هذا السائق .
تأملته في المرآة عيناه فيهما خبث وملامحه تدل على إنسان شرير ، تشاغل عني بكيس من الفستق أمامه وصوت تقشير الحبات يصيبني بالدوار والقشعريرة ، ومن مسجل السيارة كانت تنبعث أغنية عربية لم أفهم كلماتها فأيقنت أنها تركية فالكثيرون هنا يسمعون الأغاني التركية .
هل أصرخ وأطلب منه التوقف وأنزل من السيارة ؟ هل سيوافق ؟ وإنْ وافق كيف أتصرف في مكان موحش كهذا ، هل أستطيع الدفاع عن نفسي لو حاول اغتصابي ؟ وإنْ لم أستطع هل أشكوه إلى السلطات وأفضح نفسي ؟ وهل أخبر زوجي ؟
خطر ببالي كل ذلك وأنا أحاول التأقلم مع المفاجئآت والانفعالات التي قد تحدث .
يحاول السائق إيهامي بعدم اهتمامه .
أردد في سرِّي : ياله من محتال.
ضقتُ بصمته وشكوكي وبدأ جسدي يرتعش خوفاً مما قد تنتهي إليه هذه الرحلة وكاد قلبي أنْ ينفجر حين رأيت أخيراً لوحة كتب عليها أننا بدأنا بالدخول إلى تلك المنطقة .
صرخت بالسائق : قف سوف أنزل هنا .
التفت هادئاً : سيدتي هذه منطقة خطرة لا يجب أنْ تكوني وحدك ، سوف أوصلك إلى المكان الذي تريدين ، ثم أوقف سيارته وسأل عابراً عن العنوان ثم توجه إليه .
أنزل حقائبي بأدب كبير ونظر نحوي مودعاً
ياربي .. الطيبة في وجهه وعيناه تفيضان رقة ولطفاً .
كيف رأيته غير ذلك .. آه .. ربما هي صورة للخوف .