روح هائمة

عماد كامل

العراق- البصرة

[email protected]

قطعت طريقها الطويل بأنفاس متلاحقة كي لا تتأخر عن الموعد الذي اتفقا عليه.

كانت السماء تتناثر على صفحتها الغيوم،وثمة ريح خريفية تعبث بأوراق الشجر اليابسة والأكياس وعلب المشروبات الغازية فتقذفها باتجاهات عدة.

وكانت وفاء بمعطفها النيلي وشعرها الأسود الذي يكاد يلامس خصرها كأنها تمثال شمعي.

اجتازت الشارع قاصدة محل بيع الزينة،اثبتت ناظريها امام الواجهة الزجاجية فرأت العصافير الملونة تتراقص في أقفاصها المتدلية من السقف بسلاسل ذهبية،والأسماك تلهو في أحواضها غير ابهة بما حولها اذ تصعد الى سطح الماء ثم تهبط الى القاع لتلامس الحصى والرمل المتناثر.

اما الزهور فقد تسلقت كالأفاعي على المدرجات الخشبية التي توزعت في اتجاهات مختلفة،ثمة لوحة معدنية صغيرة استقرت بموازاة اكرة الباب كتب عليها كلمة يتيمة:مفتوح

منضدة المكتب بدت فارغة الا من أوراق صغيرة ملونة وقلم استقر في الجانب الأيمن من المنضدة،ومحفظة جلدية زرقاء تعلوها طبقة من التراب،اما العصافير والأسماك وزهور الزينة فكان يلفها الصمت،الصمت الذي تمددت مساراته الداخلية الى أعماقها.

أدارت أكرة الباب فبدت مغلقة بأحكام،نقرت بأطراف أصابعها على الزجاج فارتد اليها الصدى مخترقا الأشياء الصامتة في الداخل قاطعا مجرى النهر الصامت المتدفق الى روحها الهائمة،أمام عينيها تسبح صورة الشاب الغائب هي الأخرى في الفراغ فتشظي قلبها وتحيله الى قطع صغيرة تتبعثر أجزاءه مثل فتاة طعام متناثر من فم طفل صغير.

رجعت تجر بأذيال الوحدة القاتلة وتستعيد في ذهنها الصور كشريط سينمائي غير ابهة بانثيال المطر وصوت منبه السيارات التي تدعوها للركوب.

جلست في المقعد الخلفي للتكسي التي استأجرتها،داهمها امل صغير فنظرت وللمرة الأخيرة باتجاه المحل المغلق فأبصرت مجموعة من المارة يسيرون تحت المطر حاملين مظلات ملونة وأبصرت صورتها المعكوسة فتاة وحيدة مثل شبح حجري بلا روح ولا مظلة.