وليس كان يا ما كان
وليس كان يا ما كان
صباح الضامن
وليس كان يـــــــا ما كان ......
ولا
في سالف العصر والأوان
قرية صغيرة غنية بالخيرات , تروح فيها نسائم وتغدو محملة بطيب الشذى وعبق الأماني
،
يعيش أهلوها بروح ممتلئة سكونا أبديا فياضا وكأن فضاءاتها تصنع كل دقيقة صورة فيها
من أشكال الجمال من كل لفظ ولغة.
كل ما فيها اتساق منسجم , من زرع وماء , وطير ورويحات فجرية وغروبية يتحرك القلب من
جمالها .
لا تمرد على نهار عندهم ولا انصراف إلى بغيض قبيح مظلم ...
حتى
يكون
يوم
ينبت في حقلهم نبتة غريبة قوية لم يستطيعوا اقتلاعها .. شائكة الملمس عميقة الجذر
غريبته تستقي انبثاقها من ماء غير مائهم وتجلب شمسا غير شمسهم ويشتم أهل القرية
ترابا تحتضنه غير ترابهم ولكنها كانت جميلة بنظرهم جذبت حولها المتبارين في وصفها
خوفا وطمعا .. فنالوا دغدغة لعاطفة لم يخبروها من قبل , وأقبلت عليهم تورف ظلالها
على عقولهم وقلوبهم حتى باتت تحيط بهم , بزرعهم , بآمالهم فتقازم كل ما لديهم
أمامها .
ورويدا رويدا تسيدت باستبداد خلاياهم واستنسخت منها نبتات انتشرت هنا وهناك حتى
غادر ت نبتات القرية القديمة ونسائمها أو سيجت لا يراها أحد رغم كل محاولات نبات
القرية بين الفينة والأخرى أن تعود مع الفجر المنير , والشفق الهاديء , والسحاب
المتحرك . ولكن محاولاتها باءت بالفشل فقد تصدت لها تلك النبتة الغريبة فأطفأت
الأنوار من فجرها وسحبت الألوان وأوقفت الحركة .. وأهل القرية ينظرون من خلف عصابات
على عيونهم ويهزون رؤوسهم أسفا على ما يحدث لها ...
وراغمت ذات الشوك الدامي الغريب كل من يرفض المثول لفيئها أن لا يستظل فكانت شمسا
حارقة ونالت ظفرا عليه لأنها دائما مستعدة فشوكها لا يقوى إلا إذا أحرق نبت غيره
أوشرب من رحيقه ..
ورغم مقاومة نبت القرية لذات الشوك إلا أن معجمه لا زال مشتتا بتفرق حروفه فلم يجد
له لغة واحدة تتصدى لها فيموت مبعثرا أوراقه على أرضه ...
ويستمر الإنتشار ...
ليكون في حاضر العصر والأوان .... في هذه القرية الهاديء أهلها .. كما السرطان
وتنتهي الحكاية في كان يا ما كان .. فقد رأى أهل القرية أن النبتة الغريبة باتت
واقعا لا يقدرون
على
قلعه من أرضهم ..
فاستسلموا
وأغمضوا العيون
وسرحوا مع القمر ينشدون الشعر غزلا
ويتناوشون وهم نائمــــــــــــــون
بقــــــــــايـــــــــا قريتهم .