المتشرد
المتشرد
قصة: نزار ب. الزين
مغترب من أصل سوري
موقع : www.FreeArabi.com
بريد : [email protected]
صحا أبو محمود في ساعة متأخرة من الصباح ، شعر بألم يعم جميع مفاصله ، و خاصة ألم الظهر ،
وطأة ألم الظهر تتفاقم يوما بعد يوم و خاصة منذ أن حل الشتاء ،
تمطى
تثاءب
تثاءب أيضا
ثم توجه إلى دورة المياه ، فقضى حاجته ثم توضأ
المياه الباردة تلسعه ، و لكنه يستمر
عاد الآن قرب المحراب فصلّى صلاة الضحا
ثم جرجر نفسه نحو مدخل المسجد
فجلس هناك ، و هو يبسمل و يحوقل
ضبط وضع عباءته التي قدمها له أبو تحسين
ثم أخذ يتابع الرائحين و الغادين
و يرد السلام على كل منهم
" و عليكم السلام أخي أبو تيسير و رحمة الله و بركاته "
" و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته أخي أبو سليمان "
تتقدم منه ، فتاة صغيرة ، فتقدم له سرة :
- صباح الخير عمو أبو محمود ، والدتي تسلم عليك و تقول لك : " مأكول الهنا "
يجيبها بعين دامعة :
- ( الله يرضا عليك يا بنتي ) أنت إبنة أبو شفيق أليس كذلك ؟
- نعم عمّو أنا روحية بنت أبو شفيق ، و والدتي تقول لك ، إذا كنت بحاجة لأي شيء آخر أأمر .
- لا يأمر عليكم عدو( يا بنتي ) ، و يعطيكم ربي على قدر نيتكم ..
*****
قبل حوالي شهرين
لاحظ إمام المسجد أن( أبو محمود ) يقيم فيه ...
لم يسأله بداية ، و لكن الفضول استبد به ذات يوم فتقدم منه سائلا و ناصحاً :
- هل عزمت على التنسك يا ( ابو محمود ) ، أنا أشجعك على إقامة صلواتك في المسجد ، الفروض منها و السنن و الأنفال ، و لكن أن تبيع بيتك و تسكن في الجامع فهذا ما لم أفهمه و لا أقرّك عليه ، فالمسجد بيت الله المخصص للعبادة و ليس للسكن ، التنسك و الدروشة سلوكيات ممجوجة و غير مقبولة يا ( أبو محمود ) ، و كما تعلم فلا رهبانية في الإسلام !!
يجيبه أبو محمود و قد انبثقت دموعه رغما عنه :
- " إني مضطر يا شيخي ،"
" لا ترغمني على البوح أرجوك ، "
" الأمر بالغ الخصوصية ؛ "
" أما إذا كنت تجد في وجودي أي حرج أخبرني بدون أي تأخير فسأسعى لمكان آخر."
فتركه الشيخ أبو اليسر و مضى و هو يهز رأسه تعجباً !
*****
إلا أن الشيخ لم يسكت
بعد صلاة عشاء أحد الأيام ، طلب الشيخ من ( أبو شفيق ) أ ن يتريث قليلا بعد الصلاة .
سأله أبو شفيق بفضول شديد :
- خيرا إنشاء الله , شيخي ؟!
- فقط أردت أن تنورني ، هل تعلم لِمَ باعك أبو محمود بيته ؟
سأله الشيخ ، فيجيبه أبو شفيق على الفور :
- أبو محمود لم يبعني البيت شيخي ، البيت كان ملكا لإبنه ، و ابنه من باعني البيت ، ثم مضى إلى حيث يقطن في أمريكا !
*****
كان ذلك قبل سنتين
توفيت أم محمود
حزن أبو محمود في أعماق الأعماق
كانت أم محمود رفيقة دربه في السراء و الضراء
و خلال أيام حزنه وحيداً ، و في إحدى خلواته مع نفسه ، اتخذ قراره ..
لك البيت يا بنيَّ
و لكِ المال يا بنيَّتي
نصف قيمة البيت أو يزيد
و تركت لنفسي ما يكفيني حتى يوافيني الأجل ، فلا تقلقا عليَّ ...
*****
و سافر محمود إلى الولايات المتحدة إلى حيث أسرته ..
و سافرت نائلة إلى إحدى دول الخليج إلى حيث أسرتها ..
و بقي أبو محمود يجتر أحزانه ..
إلى أن قرع أحدهم بابه ذات يوم
و بذهول كاد يفقده صوابه ، قال له أبو شفيق :
- " صحبت عيالي لمشاهدة البيت ، هل تسمح لنا بالدخول ؟ "
" متى يمكنك يا عم ، تسليمنا البيت ؟ "
" وعَدَنا ولدك أن نستلمه خلال شهرين ، أرجو ألا تتأخر عن ذلك ياعم "
كلمات مهذبة و لكنها وقعت على أم رأسه وقع الصواعق ...
" تحضر إلى البلد دون أن تراني يا محمود "
" تبيع البيت ، دون أن تخبرني يا محمو د ؟ "
" تريد أن تشرد أباك يا محمود ؟!!! "
يكتب إلى ابنته نائلة مستنجدا !
يأتيه الجواب سالبا :
" شتمني أخي محمود عندما جابهته بحقيقته "
" رجوت زوجي أن نستقبلك ، و لكنه رفض ، و لا أدري لذلك سببا معقولا "
" ناقشته ، تشاجرت معه ، و لكنه هددني بالطلاق "
" أنت لا تريد لإبنتك خراب البيت ، يا أبي ، أليس كذلك ؟! "
*****
تجمعت خيوط قصة أبو محمود لدي الشيخ أبو اليسر ، من هنا و هناك
طلب وجهاء الحي لاجتماع هام
تقرر أن يقدم كل منهم ما يمكنه من مساعدة
*****
يتقدم طفل من ( أبو محمود ) فيحييه
لا يجيبه أبو محمود
يلحف بالنداء :
- عمو أبو محمود ، أنا ابن أبو سعيد ، أحضرت لك طعام الغذاء
لا يجيبه أبو محمود
- يتقدم منه أكثر ،
يظنه نائما ،
يهزه ،
فيميل على جنبه ...
يصيبه الهلع ، فيصرخ
يتجمع المارة
ينطقون بالشهادتين
ثم يطلبون من الطفل أن يعود إلى داره بما حمل