ذرية بعضها من بعض
ذرية بعضها من بعض
عبد الرحمن الحياني
ـ كم هو جميل أن يحقق الإنسان طموحه ، وأن يكون الأول على صفه - يا والدي – قالها وضاح ، وشعور بالسعادة يملأ عليه كيانه وجوارحه
ـ أجابه الوالد : الفضل كله لله - يا ولدي – فهو الذي يستحق الحمد والثناء لا غيره ، لأنه وهبنا العقل، ورزقنا نعمة التفكير به ، ومنحنا القدرة على الدراسة والتحصيل ، وبعد أن أتم والد وضاح عبارته تلك ، راح وضاح يردد بصوت مملوء بالخشوع : الحمد لله .. الحمد لله ، ثم بادر قائلاً : لم يغب ذلك لحظة واحدة عن خاطري - يا أبي - فأنت الذي غرست في قلبي بذور مراقبة الله سبحانه وتعالى في أموري كلها ، في السر والعلن .
ـ مرحى لك - يا وضاح - وبارك الله فيك ، قالها الوالد وهو يرنو إلى وضاح بنظرات ملؤها الإعجاب و الرضا ، ثم تابع حديثه قائلاً : هل ستجيب دعوة زميلك عابد إلى الحفل الذي سيقيمه بمناسبة تفوقه في الدراسة هذا العام ؟
ـ لم أخذ القرار ولم أحزم أمري بعد - يا أبي – فأنا متردد بعض الشيء .
ـ ولم التردد - يا وضاح - ؟ فالتردد صفة مذمومة ليست من صفات الشاب المسلم الذي لا يعرف التردد ، فالأمور عنده واضحة .
ـ إنها أول مرة أحضر فيها حفلاً كبيراً كهذا - يا أبي -
ـ وما الجديدة في الأمر ؟ ـ قالها الوالد باستغراب ـ .
ـ في الحقيقية - يا أبي - إني لا أشعر بضرورة المشاركة في هذا الحفل
فأجاب الوالد على الفور : لا - يا وضاح - بل هناك ضرورة ، فمشاركتك الآخرين أفراحهم وأتراحهم ، مما أمر به ديننا الإسلامي الحنيف ، فللمسلم حقوق على أخيه المسلم ومنها مشاركته لأخيه المسلم في أفراحه وأحزانه ، فالمرء قليل بنفسه كثير بإخوانه، ولا تنس - يا بني - أن إجابة الدعوة مما أمر به رسولنا الكريم - r - حيث قال عليه الصلاة والسلام : ( إذا دعيتم فلبوا) هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى أنسيت أنك ستقيم الأسبوع المقبل حفلاً مماثلاً - يا وضاح - ؟
ـ لا لم أنس - يا والدي - ولكن ... ؟
ـ ولكن ماذا - يا وضاح - ؟ وتابع الوالد قوله : يا بني كما تحب أن يحضر حفلك من تحب من أصدقاء وأقارب ، كذلك زميلك عابد .
ـ جزاك الله عني كل خير - يا والدي - فقد فتحت عيني على أمور غابت عني، وأعدك أن أحضر حفل زميلي عابد ، لأشاركه فرحته فأنا أحب لأصدقائي وزملائي ما أحب لنفسي ، امتثالاً لقول الرسول - r - : " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه "
ـ بارك الله فيك - يا وضاح - ، فكم يعجبني فيك انحيازك للحق أينما وجدته ، وهذا من خلق المسلم الصادق - يا بني - فهو مأمور أن يدور مع الحق حيث دار ، وأن يأخذ الحكمة في أنى وجدها ، فهو أحق بها ،
أجاب وضاح : هذه بعض صفاتك التي أخذتها عنك - يا أبي -
ـ والآن - يا وضاح - خذ هذه الدراهم لتشتري هدية مناسبة لزميلك فالهدية رسول المحبة يا ولدي فرسولنا الأكرم - r - يقول " تهادوا تحابوا "
ـ ما أسعدني بك - يا أبي – قالها وضاح ، وراح يعانق والده عناقاً حاراً .