االتاريخ يبكي دماً

د.محمد سالم سعد الله

التاريخ يبكي دماً

د . محمد سالم سعد الله

حدثنا عيسى بن هشام ، أنّه قد جاء زائراً إلى بغداد السلام ، بعدما سمع ما أصابها من حرب وتدمير لم يشهد لها في التاريخ الأنام ، وبينما هو يتنقل بين حدائقها الذابلة ، وبناياتها المهدمـة ، وأسواقها المقفلة ، توجه قاصداً حيث أناب، إلى متحف بغداد اللباب ، فطرق الباب ، ولم يجد ثمة باب ، حصر دموعه ، وأمسك لسانه ، وكفّ بصره ، لمس تمثال الأسيـاد ، فخرّ منه الفُتات ، وتناثرت على رقعة الأرض مهزومةً الجياد ، تُرى من الذي كشف الحجاب ، ومزّق بكارة الأحباب ، أتراه حلمٌ . يقظةٌ . وعيٌ . أم سراب !!! .

لم يشأ قلبُه أن يغادرَ المكان ، وارتضى عقلُه نسيانَ الزمان ، أفي بغدادَ التراثُ يهان ، إنّها لحظاتٌ تبكي دماً ، وساعاتٌ تتوقف حسرةً وندماً ، وبين تقديم رجلٍ وتأخير أخرى ، اقتنع بن هشام بعبور الشارع المقابل لبوابة عشتار ، ذات الرهبة والأسرار ، تاركاً التراب يحتضرُ غربتَه ، ويناجي مهديه الذي عافَ مهمتَه ، ويندبُ حظه العاثر الذي تخفى خلف عباءتِه .

واقتنع بن هشام أنّ هذا ثمرة الحصار ، وشاهد من شواهد الاضطرار ، وانتهاك لعزة الافتخـار ، فهنيئاً لكم يا عُربُ يا ملثمين دوماً بالانتصار ، وفي هذه اللحظة المؤلمة لَملمَ بن هشام ما تبقى من جسده ، وانحنى راكعاً أمام وسادته، وكفّنَ بالقماش الأسود سجادته ، وانفجر قهراً متأملاً نجدتَه ، لكنّه رأى في المنام أنّ أحدَ عشر كوكباً ، واثنين وعشرين شمسـاً ، وواحدٍ وخمسين قمراً ، قد تركوا المجموعة الإلهية وتوجهوا نحو ثقبٍ أسود يبتلع كلّ شيء ما عدا يوسفَ ، فتأمل.