الصبار
الصبَّار
|
محمد الخليلي |
الصبار نبات شوكي ،لكن ثمرته حلوة المذاق . لذا فإن الذي يريد أن يأكل الصبار عليه أن يقشره لابساً فقازين لكي يتقي الأشواك من أن تنال من كفيه فتدميهما .
ولكن هل يمكن للإنسان أن يكون كالصبار ، بل أن يكون الصبار بعينه أقصد أن يكون داخله حلو المذاق وخارجه محاط بالأشواك؟وما فائدة الأشواك التي تحيط بهذا الصنف من البشر؟
إن القصة التي سأسردها قصة حقيقية لاخيالية ،وإن كانت تكاد تنافس الخيال لما فيها من عجب عجاب .
أمه تبلغ السابعة والخمسين ولا تشكو من أي مرض . ذهبت ذات يوم إلى حفلة عرس لأحد أقاربها ، ولقد كان العرس ممتعا قضت فيها أم ياسر ساعات جميلة ، ولكنها حين كانت قافلة على الطريق بين مدينتي إدلب وحلب كانت على موعد مع الأقدار . شاءت حكمة الله أن تنفجر إحدى إطارات السيارة التي كانت تقلهم ،فانقلبت السيارة بمن فيها ، وكان حظ أم ياسر من هذا الحادث الموت الفوري ، لذا لفظت أنفاسها الأخيرة قبل أن تصل إلى أقرب مستشفى ،فيما كان الآخرون ممن كانوا معها في السيارة بين قتيل وجريح .
أول من أُخبر عن هذا الحادث المروع ابنتها التي تسكن في حلب ، ولكنها كامرأة ولهول الخطب لم تدري ماتفعل ،فاتصلت بأخيها ياسر الذي كان في السعودية وطلبت منه أن يتصل بالأهل والأقارب في سورية كي يبلغهم نبأ وفاة أمه .
استقبل ياسر هذا النبأ المفجع بقوله ( إنا لله وإنا إليه راجعون)،وكان يردد حسبي الله ونعم الوكيل سلوانا لنفسه عن هذا الخطب المريع .
قام ياسر بإخبا ر والده وأخواته ثم الأبعد فالأبعد آخذاً بعين الاعتبار ضرورة تقديم ذاك الخبر غير السار تدريجيا كي لايقع في قلب المخبَر موقعا أليما . لم تكن هذه الظاهرة بالنسبة لي غريبة جدا ،لأن ياسرا كان معروفا برجاحة عقله واعتماد أهله عليه في الملمات .
علمت في اليوم التالي بهذا النبأ العظيم ،فتناولت سماعة الهاتف كي أعزيه مهاتفا إياه على هاتفه الجوال ،فأنا لاأعرف أين هو ،أفي السعودية أم وصل إلى سورية ليشارك أهله في تشييع جثمان أمه ؟ سألته أين أنت الآن ؟
قال : إنني في المطار .
وماذا تفعل هناك ؟
أنتظر على قوائم الانتظار كي أستقل أول طائرة إلى سورية .
إذاً ستشارك في تشييع جنازة المرحومة ؟
لا، فقد دُفن ت اليوم ظهراً لأنني أوصيت أهلي ألا يأخروا دفنها حتى مجيىء ،لأن من حق الميت على الأحياء أن يعجلوا في دفنه !!
كنت أحاول أن أخنق العبرة التي غلبتني وأنا أعزيه ،لكنني لم أستطع أمام هذا الطود الشامخ إلا أن أقف منكسرا ويرجع البصر إليَّ وهو حسير . تنحنحت عدة مرات حتى أخفي نبرة العبرة فقلت: وماذا عساك تفعل و أنت تتنظر الساعات الطوال؟
أجاب : إنني أراجع حساباتي !
أعدت عليه السؤال كرة أخرى ، لعلك لم تفهم سؤالي بسبب ضغف تردد موجات الهاتف النقال .
أجاب في المرة الثانية بكل ثقة :إنني أراجع حساباتي !
إنني أعرف أن ياسرا رغم أنه مهندس لكنه يعمل في سلك التجارة ، لكن إصراره على جملة (إنني أراجع حساباتي ) جعلتني في حيرة من أمري . هل من الممكن لرجاحة عقل ياسر أن تقوده إلى هذا العمل غير المعقول ؟!
أم أن هول الصدمة قد أفقدته رجاحة عقله المعهودة ؟ وهذا ممكن لأن موت الفجاءة المفجع يجعل الحليم حيراناً .
كان ياسر يتكلم لكنني للحظات لم أسمع ماقال ،لأنني كنت مشدوها. سمعته بعدها يقول:كأن الخط قد انقطع ،هل تسمعني ياأبا براء ؟
أجبته في الحال : إنني أسمعك جيدا.... كنت تقول شيئا عن الحسابات أليس كذلك ؟ ولكن قل لي بربك هل هذا وقت حسابات أم أنك تمزح؟
قال لي اسمع ياعديلي ماهي الحسابات الي أراجعها .علمتُ أن أمرا جللا سيخبرني عنه أبو البشر،إذ إنني لم أعهده في ساعات الد عة كثير المزاح فكيف به في ساعات الشدة .
شنفت أذني لأسمع منه هذه الحسابات الغريبة . قال ياأخي أبا براء إن أمي لم تكن تشكو من أي مرض ،وكنا نتوقع وفاة أبي لأنه كان يعاني من أمراض عدة أقلها مميتة .
ذهبت أمي إلى حفلة عرس أقاربها في مدينة إدلب ولم يذهب أبي معها لأنها السليمة التي كانت على موعد مع الموت . لذا بحسبة بسيطة يمكنك أن تقول : إن الحذر لاينجي من القدر ، وإن الموت قد لاينتقي المريض الميؤوس منه ، بل قد يجني السليم الذي لايشكو من أي سقم .
قلت له لقد ذكرتني ياأبا البشر ببيتين :
كـم مـريـض قـد عـاش من بعد موتٍ قد يصاد القطا فينجو سليمـــــــــاً |
|
بـعـد مـوت الـطـبـيـب ويـحـل الـقـضـاء بـالصيـــــادِ |
والـعـوادِ
أطبقت سماعة الهاتف وأمسكت بيراعي وكتبت :
(إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور). صدق الله العظيم . فهل عرفتم ياإخوتي كيف يكون الصبار نباتا ، وكيف يمكن أن يكون بشراً ،لكنه:
لا كالبشر
مـن يـاترى منا أأنـا الـمعزي أم معزىً فـأمـام هـذا الطود يا فـي الـخير يبسم دائماً فـي الشر يضحك باسماً قـل لـي بـربك ياأخي * * * * سـاءلـتـه مـاتقتفي؟ إنـي أراجـع حـسبتي حـاذرت أن ألقى العنى أن الـمـريض يصونه أمـا الـسـليم فيُجتبى فـي جـنـة الخلد التي قـد كـنت أجهل خيفة لأبـي لأن الـضر فيه لـكـن حـكـمـة ربنا * * * أتـراك من طين البشر؟ أنـا لاأصـدق مـاأرى يـاياسراً عجز القريض فـي حـيـرة أحـيا أنا |
اعتبر
|
بـحِـمام موت قد يـاإلـهـي .. مالخبر؟ ربـاه إنـي مـنـكسر وتـراه في الضرا صبر وتـراه فـي السرا شكر هل أنت من دنيا البشر؟ * * * * فـأجـابني بالمختصر: وأقـول هل من معتبر؟ لـكـن ربـي قـد قدر ويـطـيل فيه من العمر لـجـوار رب مـنتصر عـنـد الـمليك المقتدر أن الـحِـمـام لقد قُدِر والـقـلاقـل تـستعر شاءت بأن تجني الحذر * * * أم هل جُبلت من الصبر؟ إذ فـاق مـفهوم البشر بـوصـفه وكذا الصور قل لي بربك ما الأمر؟! |
قُدِر؟