السبحة
|
السُبحَةبقلم : محمد الخليلي |
جلس الشاب عليّ شاحب الوجه ساهماً يستقبل كل معز ٍ جاء ليشاركهم أحزانهم في وفاة أبيه ،وفي يده سبحة لا تفارقه أبداً تتحرك عليها أصابعه ببطء شديد، وقد تتوقف قليلا ثم يعود لتحريك حبات السبحة ،وكثيراً ما يبدأ العدَّ من جديد قبل أن تتم السبحة دورة كاملة.
ولأن إخوته وأقاربه لم يعهدوا به مسبحا من ذي قبل ولا حتى مصلياً، استغربوا من معانقة السبحة ليده ليل نهار طوال أيام التعزية ،حتى إذا ما رأى علامات الاستفهام بادية على وجوههم طلب من أحد أقاربه أن يشتري مئة سبحة ويقوم بتوزيعها على المعزين عند دخولهم بيت العزاء طالبا منهم الاستغفار لفقيده العزيز أسوة به .
واشتد استغراب أهله بتعلقه بالسبحة حتى بعد انقضاء أيام العزاء رغم أنهم لم يروه يركع ركعة واحدة أو يقرأ آية من كتاب الله، بل كان جلُّ عمله الاستغفار،لذا طلبت والدته من إخوته الصغار أن يراقبوا تصرفاته.
انقضى أسبوع ولما يفهم الأهل كنه هذه السبحة ، إلا أن أخاه الصغير ماهر قرر في نفسه أن يراقبه أثناء انقطاعه في غرفته وحيداً ساعات طويلة مزلجا على نفسه قفل الباب.
وبينا أخوه الصغير يراقبه من كوة الباب ، إذا به يراه يرمي السبحة ويتناول الآلة الحاسبة التي يستخدمها في كلية الهندسة ويقول متأففا:
-لقد مللت من الحسابات على هذه السبحة ، بل أعدتها مئة ألف مرة.
وتناول سماعة الهاتف فهُرع ماهر إلى الغرفة الأخرى لكي يسترق السمع من سماعة أخرى فسمعه يقول لصديقه نادر:
-ألم يأن لأهلي أن يبدأوا بتوزيع التركة؟ إن حصتي تبلغ 275360 ديناراً إذا قُسمت جميع العمارات والمصالح التي كان يمتلكها أبي الحبيب عليَّ وعلى إخوتي وأخواتي وأمي وإخوتي الصغار حسب الشرع . أما إذا وُزعت حسب العرف السائد بأن نرضي إخوتي الصغار وأمي وأخواتي الكبيرات بمبلغ ما ، فإن حصتي ستكون... قال لمحمود مع السلامة وأغلق سماعة الهاتف ،ثم نظر إلى السبحة ليقوم بالحساب لكنه سرعان ما التقط الآلة الحاسبة وقال:
-لايعرف أن يحسب مثل هذا النوع من التركة إلا أنت أيتها الحبيبة .
تذكر أنه قبل أسابيع كان يتناقش مع زملائه في الكلية حول مصطلح معقولية استخدام العرف السائد في القرن الحادي والعشرين فهو من مؤيدي سيادة القانون لاالعرف،ولكنه اكتشف الآن أن للعرف السائد في مجتمعنا حول توزيع الإرث فوائد كثيرة .
ضرب وجمع وطرح وقسم فكان الرقم الذي أظهرته الحاسبة 911550 ديناراً. قفز طائرا في الهواء فلامس رأسه السقف من الفرح قائلاً:
- إذا استثمرت حصتي من التركة حسب ما سآخذه تبعاً للعرف السائد فخلال سنة أصبح مليونيراً .
هُرع الأخ الصغير إلى أمه ظانا أنه سيبشرها بحل اللغز واكتشاف مهمة جديدة للسبحة أول من سجل بها براءة اختراع هو أخوه المهندس عليّ قائلاً:
إن أخي اكتشف وظيفة جديدة للسبحة ألا وهي حسابات الإرث.