أَرَق
عبد الله الكباريتي
يَتَسَلَّلُ إِلى حُجْرَتِي المَوبُوءَة بِالصَّمتِ المُوحِشِ لَيْلاًَ، يُحَاوِلُ التَّوَحُّدَ مَع العُزْلَةِ التِّي أَصَابَتْ الجُدْرَانَ والنَّوَافِذَ، وَيَنْجَحُ بِجَدَارَةٍ فِي الوُصُولِ إلَى عُمْقِ التَّفَاصِيلَ السَّاكِنَةَ نِهَايَةَ الرُّوحِ، يَرْتَدِي الصُّورَةَ الجِدَارِيَّةَ المُعَلَّقَةَ عَلَى الحَائِطِ وأُخْرَى فَوْقَ البِيَانُو ، يَتَوَحَّدُ هُوَ مَعَ الأَنَا بِدَاخِلِي لِيَصْنَعَ مِنْهَا مَحَطَّةً جَدِيدَة لِتَوارُدِ الأفْكَارِ والهَوَاجِسِ لَيْلاً ، فِيْمَا أنَا غَارِقٌ فِي مُرَاقَبَةِ الطُّرُقَاتِ والأَزِقَّةِ التِّي أصْبَحَتْ مُؤَخَّرَاً مَسْرَحَاً للتَّمْثِيلِ العُنْصُرِي والقَتْلِ العَشْوائِي ، ومِنْ خَلْفِ الأشْيَاءِ كُلِّهَا يَعْزِفُ هُوَ هَذَا الَمَساءَ عَلَى إيْقَاعِ التَّسَلُّلِ المَتْبُوعِ بِفَوضَى الحَوَاسِ والأفْكَارِ وتَوَارُدِ بَعْضَ الأوهَامِ والهَوَاجِسِ التِّي لا عِلاقَةً للأنَا بِدَاخِلِي بِهَا ولَكِنَّ دَومَاً إنْ أصَابَنَا الأرَقَ أصْبَحْنَا بَعِيدَاً عَنِ الحَقِيقةِ المُطْلَقَةِ وتَنْتَهِي مَعْرَفَتُنَا الوَاضِحَةُ بِالأشْيَاءِ كُلَّهَا ونُصْبِحُ إلَى حَدٍّ مَا مَخْدُوعِينَ بِالصُّوَرِ التِّي تُصَوِّرُهَا اللَّيَالِي الطَّويلِة لَنَا عَلَى أنَّها الحَقِيقَةَ المُطْلَقَة
يُمَارِسُ طُقُوسٌ خَاصَّةً أقْرَبُ إلَى الشَّيطَانِيَّةِ المُطْلَقَةِ لِيَبْقَى مُتَوَحِّدٌ بِالأنَا بِدَاخِلِي يُوصِلُنِي بِالعَوالمِ الأُخْرَى ويَأْخُذَ مِن تَفَاصِيلِ الوَقْتِ الحَاضِرِ لِيَمْزِجَهَا بِالخَيالِ الذِّي أصْبَحَ خَصْباً بَعْدَ مُرُورِ وَقْتٍ طَويلٍ عَلَى ارْتِبَاطِي القَهْرِي بِهِ ، أحَاولُ تَفَادِي فِكْرَةَ التَّواصُلِ حَتَّى الصَّبَاحَ دُونَ جَدْوَى أُكَرِّرُ المُحَاوَلةَ كُلَّ لَيلَةً مِرَارَاً وتِكْرَارَاً وَلَكِنْ دُونَ أدْنَى نَجَاحْ أعُودُ مُرغَمَاً لِمُمَارَسَةِ الفَرَاغِ المُطْلَقِ والصَّمْتِ وحِيدَاً أشَارِكَ مَفَاتِيحَ الكِيبُورْدَ بَعْضَاًَ مِنْهَا ويُشَارِكُنِي عَن بُعدٍ اللَّيلَ الأرَقَ وتَفَاصِيلَهُ القَاسِيَة ، أنْظُر بِإتْقَانٍ للتَّفَاصيلِ التِّي تَمْلأ غُرفَتِي الفَارِغَةَ والمَتَاهَاتِ التِّي تَأخُذَنِي إلَى فَوضَى لا خَلاصَ مِنْهَا سِوَى بِبَعضِ حُبُوبٍ مُهَدِّئةٍ اعْتَدْتُ عَلَيهَا مُؤَخَّرَاً بَعْدَ السُّقُوطِ الأخِيرِ للجِدارِ الوَحِيدِ الذِّي كَانَ يُوصِلُ العَالَمَ السَّاقِطَ ثَقَافِيَّاً بِالعَالَمِ الآخَرِ وانْهِيَارَ كُلَّ المَبَادِئ التِّي عَرِفَتْهَا البَشَرِيَّة وتَبْرِيرُ إبَاحَةُ الدَّمَ الوَاحِدِ والقَتْلَ العَشْوَائي ، لِلَحْظَةٍ أشْعُرَ أنَّ اللَّيلَ قَدْ أصْبَحَ سَيِّدَ الأشْيَاءَ كُلَّهَا وأنَّ الهُدُوءَ الذِّي يُرَافِقُهُ قَدْ يَكُونَ أحْيَانَاً مَزَيجاً مِن فَوضَى مُطْلَقَةً تُصِيبُنَا بِالصُّمِّ بِشَكلٍ أو بِآخَرَ حَتَّى أنَّنَا لا نَسْمعَ الحَواسَ كُلَّهَا وهِيَ تَتَخَبَّطُ فِي بَعْضِهَا البَعْضِ إنَّه الهُدُوءَ الذِّي قَدْ يَكْونَ أحْيَانَاً أفْضَلَ مِن الضَّوضَاءِ التِّي يَجْلِبَها النَّهارَ الصَّاخِبَ والالتِزَامَاتِ الاجْتِمَاعِيَّةَ المُمِلَّة والقَاتِلَة ولكِن لِبَعضِ الوَقْتِ أحْتَاجُ لِمُمَارَسَةِ طُقُوسَ الحَيَاةَ بِشَغَفِهَا وتَفَاصِيلِهَا العَادِيَّة جِدَّاً حتَّى أنَّنِي أبْحَثُ عَن مُدَاخلةً تَأخُذَنِي بَعِيدَاً عَن اللَّيلِ وشَقَاءِ العُزْلَةِ والصَّمْتِ وجُدْرَانَ غُرْفَتِي والمَسَاحَاتِ التِّي يَتْرُكَهَا الأرَقَ لِي والمَسَافَاتِ التِّي يُطْلِقُ فِيهَا اللَّيلَ رُوحِي لِتُمارِسَ طُقُوسَ الخَطِيئةَ وهَوَاجِسَ الخَوفَ وكَوَابِيسَ الانْتِظَارَ الطَّوِيلَ ، أبْحَثُ بَينَ تَفَاصِيلِ النَّهارِ الطَّويلِ عَن مَصْدَرِ إرْهَاقِ جَسَدِي قَد يَجْعَلَنِي أسْتَلقِي لَيلاً عَلَى فِرَاشِي لأنَامَ دُونَ المُحَاولةِ المُعتَادةِ ولأسْتَحِقَّ قِسْطَاً وَفِيراً مِن الرَّاحةِ الجَسَدِيَّةِ التِّي فَقَدْتُها مُنذُ زَمَنٍ بَعِيدٍ جداً
الكَثَيرُ مِن التَّساؤلاتِ تَجُوبُ خَاطِري لَيلاً ، هَل للسَّاقِطَاتِ فِي جَحِيمِي عَلاقةً في الأمْرِ وإنْ كَانَ كَذَلكَ فَكَيفَ لَهُنَّ التَّواصُلَ مَعَ الأرَقِ وحَثِّه عَلَى مُعَاقَبَتِي هَكَذا ، وهَلْ وَصَلَ النُّضَوجُ فِيهِنَّ لِيَقْدِرْنَ عَلَى دَفْعِ الأرَقِ نَحْوي امْرَأةُ النُّضُوجُ التِّي عَرِفْتُهَا لَمْ تَصِلْ إلَى العَالَمِ الرَّوحَانِي هَذَا ولَمْ يَكُنْ بِاسْتِطَاعَتِهَا مُطْلَقَاً مُخَاطَبَةَ الحَوَاسَ والأحَاسِيسَ هَكَذا ، أعْتَقِدُ أنَّ الشَّيطَانَ قَد سَئِمَ العَمَلَ المُتَواصِلَ وأوْكَلَ لِحَوَّاءَ بَعْضَ أعْمَالِه الشَّيطَانِيَّة ومَنَحَهَا المَزِيدَ مِن قُواهُ الخَفِيَّة لِتَجْعَلَ مِنْ حَياةِ أدَمَ أكْثرَ فَوضَى لا بُدَّ أنَّها مَنَحَتْهُ مِن فَيضِهَا مَا جَعَلَه يَرْكَعُ سَاجِدَاً لَهَا يَمْنَحُهَا مِنْ قُوَّتِهِ مَا يَجْعَلَهَا دَاهِيَةَ العَصْرِ والعُصُورِ كُلِّهَا ، هَذِه النَّافِذَةُ البِيضَاءُ مَكْسَورَةَ الزُجَاجِ وحَيدةً مِثْلِي فَالنَّوافِذَ الأخْرَى خَشَبِيَّةً لَمْ تَسْقُطْ حِينَ الغَارَةَ الأوْلَى للحَربِ عَلَى مَدِينَتِي الصَّغيرَة ، أشْعُرُ وكَأَنَّهَا تَعْرِفُنِي جَيِّدَاً فَهِيَ بَوَّابَةَ العَالَمِ الآخَر الذِّي لا يَعْرِفُهُ الكَثيرونَ مِمَّنْ أعْرِفْ فَهِي بَوَّابَةَ الرَّغَبَةَ الجَسَدِيَّة ومِنْهَا تَدْخُلَ عَالَمِي عَقَاقِيرَ النِّسْيانَ الجَمِيلةَ التِّي تَصْطَحِبُهَا أنْثَى يَمْتَلِكُهَا اليَأسَ كُلَّ لَيلَةً لِتُشَارِكَنِي تَعَاطِي الصَّمتَ والهُدُوءَ المُصْطَنَعْ .