انكسار الشعاع
انكسار الشعاع
قصة: هيام فؤاد ضمرة
كانت جميلة، فاتنة، عصرية بكل المقاييس، تضج
أنوثة وشباباً، يزيدها جمالاً
إتقانها في وضع مساحيق تجملها، وفي طريقة اختيار ملابسها التي تظهر تناسق قدها،
وامتشاق طولها، وتكشف عن فتنتها الطاغية، بالأخص حين تطلق شعرها الملون المعتنى به
كشلال متساقط ليسترخي على ظهرها وأكتافها العارية، وعطرها الفاخر الذي يغزو الأنوف
قادر على إطلاق النشوة المستبدة من على بعد، مع استعراض مهارات دلالها الساحر.. وهي
بهذه المقومات جديرة لكسب أي وظيفة، ولذلك كانت المرشحة الأولى بامتياز لوظيفة
السكرتيرة الخاصة، لمدير شركة محترمة مقابل دخل شهري مجزي.
استطاعت بسرعة أن تتكيف مع ظروف العمل، وتصبح الموظفة الأثيرة لدى مديرها، تتحمل مسؤولية كل ما يخصه ويخص أعماله، حتى مواعيده الشخصية، ونظام مكتبه وديكوراته، تصاحبه خلال الاجتماعات المهمة، وتشهد صفقاته التجارية، وتملي رسائله التجارية والشخصية، تحدد ألوان ملابسه لكل مناسبة.
أسعده اهتمامها وهو الرجل الأربعيني وقد كان يظن أن ألق شبابه بدأ بالاندثار، فراح يصحبها إلى دعوات عشاء العمل، واتفق معها على إقناع أهلها أن ذلك من واجبات عملها ومن موجبات الارتقاء بالخبرة والدرجة الوظيفية.. مؤكدة لهم أهليتها بثقتهم، وأنها قلعة عتية لا يجرؤ على اختراقها أحد.. مما جعل أهلها يستنيمون إلى ابنتهم تتحرك في حدود مأمونة، فتراخى ضبطهم إلى درجة أنهم لم يجدوا غضاضة بالسماح لها بالسفر بصحبة مديرها لعقد الصفقات التجارية، وفي اعتقادهم أنهم بذلك إنما يثبتون أنهم أسرة عصرية منفتحة.
ذكاء المدير وخبرته أهلته لأن يحلل شخصية سكرتيرته، ويدرس ظروفها، ويكتشف منافذ ضعفها، ويستغلها لمأرب في نفسه، فأحكم حولها الحصار، وأغدق عليها الهدايا الفاخرة، والحوافز المجزية.. فألهب نفسها بالأمل، وحث فيها أحلام اليقظة بكلامه المعسول، وحاصرها في كل أوقات النهار حتى وهي خارج الدوام، فاستسلمت له صاغرة، وأرخت له موانعها، فدخلت معه الفراش، وخرجت منه ملوثة بلا هوية تحدد مسماها الجديد، سوى مسمى قبيح تشكل في عقل مديرها، وانتشر همسه بين كثرة الموظفين.
وفي معرض استعراض علاقته لأصدقائه، دس كاميرا فيديو صغيرة في مكان مخفي من غرفة النوم لتصورهما في لحظات عبثهما المحرم.. وراحت الأيدي تتداول الفيلم وتستعرض محتوياته في حفلات مجون صاخبة يدعى إليها الأصحاب، وأصبح للفيلم نسخاً متسربة تتناقل بأساليب بهلوانية.
وكان هو شاباً لطيفاً يحلم بمستقبل يحقق فيه النجاح، مطمئناً إلى أن كل ما حوله سليم.. دعاه زملاؤه لمشاركتهم حفل مشاهدة فيلم إباحي، وزينوا له متعة الاغتراف من هذه الثقافة الذاخرة بالبهجة.. استجاب تحت إلحاح الفضول، وجلس بين جمعهم يستعرض مادة الاحتفال، وما أن دار شريط العرض حتى ارتسم الذهول على محياه وانتفض مصعوقاً والغضب يأكل نفسه ويمرغ كرامته، وفي حمى ثورته كسر الشريط وآلة العرض ومحتويات المكان، واندفع بتهور باتجاه الشارع العام لتتلقفه عجلات شاحنة وتخرس دفق الحياة فيه قبل أن يدرك رفاقه أن الفتاة إنما هي شقيقته.
وبعد انكشاف أمرها لم يعد غير الموت وسيلة وحيدة لطمس عارها المشين، وأدركت متأخرة أن خطيئتها ابتعادها وأهلها عن قيم الدين الإسلامي الذي هيأ لها أسباب العفة والأمان، ولكن شعاع اليقين كان قد انكسر على حافة عقلها المتغرب.