عائد للمعتقل

مريم كمال المكانسي

عائد للمعتقل

بقلم :مريم كمال المكانسي

 

عشرون عاماً لم تطل شمس على أجسادنا. لم تمر حتى مرور عابر سبيل. أيقنت أنا لن نرى شمساً ترتسم أو نسمة تبتسم. فنحن ننام في الظلام. نستيقظ في الظلام. من الظلام، في الظلام، إلى الظلام. ننام على العذاب. نقوم على صوت سياط تأكل أجساداً وعظاما ...

قدر أن نحيا هنا. أن نعذب، أن نهان، أن نجرح، وان نقتل، كنا نتذوق العذاب كل يوم. كان لا بد من كف تنهال على وجوهنا ضرباً كل يوم. لابد من تجريحنا بلسانهم في كل يوم. لابد من موت يطل على السجون كل يوم. لكن لازلنا جميعا ًيداً واحدة مع الله لا نهاب أحدا ولا نلين أبدا رغم الألم. فتح الباب ونودي باسمي بصوت عال غليظ فظياسر اغا) تقدمت نحوهم وسألتهم بنغمة هادئة :.ماذا تريدون مني؟..

 هل أنت ياسر اغا؟..

لحظة أفكر ربما كنت خياله (فما هذا الغباء أقول له من؟  ويقول هل أنت ياسر اغا)

 وإذ بكفه تنهال على وجهي ضرباً ثم أمسك بشعري يقول

أيها الحقير لا تكن أحمق وأجب بنعم أولا فقط ، ولا تفكر فليس لك هنا تفكير.

 سكت ولم اجب فأراد ضربي وإذ بإخواني المعتقلين يصرخون:. أجل.. أجل هو ياسر اغا..

 تقدم نحوهم قائل:. لماذا أجبتم عنه أليس له لسان ؟ [ثم نادى للعسكري]

احضر السوط وقضيب الحديد مع الفحم وأحضر الحبل وأحضر سلك الكهرباء وأحضر سكينا وأحضر المختصين ليعالجوا هؤلاء المرضى

أدركت من هذا أنه سيعذبهم صرخت فيه:. ماذا تريد يا هذا أنا هو ياسر اغا أولا تريد ياسر اغا دعهم وشأنهم وخذني أنا

فهمت إذا..  جيد جدا..ً أيها العسكر خذوه وأحضروه إلى غرفتي ولكن بهدوء و احترام

ثم خرج و أتوا ليأخذوني .،فعرف الجميع أنه الإفراج بإذن الله، فرح الجميع وبدؤوا يباركون لي ويكبرون ويهللون أحدهم قال:. إذا خرجت فابحث عن أهلي وأخبرهم أني حي، و أخر وأنا أيضاً أخبرهم أني حي، وغيره يقول:. لا تقل لهم أني أصبحت معاقاً، فقط قل أني بخير وأنا حي أرزق .صرخ أخر لا تقل لأهل فلان شيء عنه لأنه أصبح بالأمس  ولا عقل له.

خرجت مع الشرطة وكل منهم يقول لي قل لأهلي لا تقل لأهلي ولا زلت أسمع تهليلاً وتكبيراً حتى دخلت غرفة المأمور وأغلق الباب خلفي وإذ به يقول لي :

تفضل اجلس على هذا الكرسي

تقدمت وجلست دون أن أظهر قلقي جلس على الكرسي الذي أمامي ثم أشعل سيجارة وأعطاني

شكراً لا أريد

 كما ترغب لقد تبين لنا في التحقيقات انك بريء لذا أفرجنا عنك

تلكأت قليلاً ثم تسألت أ...أ..أنا

وماذا في ذلك أجل أنت أم انك لا تريد الخروج

بلى ..بلى

أريد فهلا شكرتني

سكت برهة ثم هممت أن أصرخ في وجهه (أبعد عشرين سنة تذكرتم أني بريء وتريدني أن أشكرك احمد الله أني لم أقتلك) لكنني تمالكت أعصابي ثم أجبته بلى..( انتظر كلمة الشكر قليلاً وعندما تيقن أنها لن تلفظ ، قال بقرف )

اذهب وأرتد ملابس جديدة حتى تظهر أمام أهلك حسن المنظر .

نهضت وخرجت من غرفته فاصطحبني العسكري إلى غرفة الملابس وأعطاني بدلة 

أرتديتها ثم خرجت فأوصلاني إلى حيث المكان الذي امسكوني به لا زلت أذكره جيداً (ربما هو المكان الوحيد الذي لم يمح من ذاكرتي) تركوني في الظلمة أمشي أحاول تذكر طريق بيتي وفي طريقي كنت أتخيل كيف سيكون لقائي مع أمي وأبي وأخواني وبالتأكيد أصبح لكل واحد من أخواني جيشاً مشاكساً فوضوياً لابد أن منزلنا في الصباح كما يقولون (حمام مقطوع ماؤه) الحمد لله تذكرت المنزل هاهو ذاك أنا أراه جيداً لكن يبدو أنهم بنوا طابقا ثاني لأنهم كثروا

اقتربت من باب المنزل وهممت أن أدق الباب لكن تذكرت سيقولون: من ثقيل الدم هذا الذي يطرق الباب ليلاً وفي هذا الوقت والكل نيام

هل أطرق ؟ لا أطرق ؟ بل سأطرق أجل سأطرق لكن بدا لي أني سمعت أصواتاً في الغرفة الداخلية وهذا ما شجعني أكثر على طرق الباب

طرقت الباب ثلاث مرات حتى سمعت أقداما تقترب إنها أقدام أختي( ولاء)                

(أنا فداك أختي أسمعيني صوتك ولو بكلمة (من بالباب))وإذا بها أصبحت خلف الباب تقول:.

من الطارق؟. (حينها عمدت أن أثقل دمي) فأنا أعلم أنها عصبية المزاج متسرعة، أتذكر أنها تضربني إذا ثقل دمي فهل ستضربني هذه المرة أيضاً رققت صوتي قائلا (ولاء) افتحي أنا ..أنا (نسيت اختراع اسم أنثى) فوجدتها فتحت الباب بلهفة وقالت وكأن قلبها دق خوفاً رُبا ..رُبا تفضلي ..ربا ما بك تفضلي ,فدخلت وكنت أصلع لا لحية لي ولا شارب ،

فانتفضت وقالت صارخة من أنت اخرج أيها الحقير يا أبا همام هناك لص الحقوني هناك لص فحاولت سد فمها كي لا يستيقظ الجيران فعضتني بكفي وأكملت تصرخ فتجمع الجميع حولي حتى كادوا يضيقون الخناق عليّّّّ فالجميع لم يعرفوني .!!حتى سمعت صوت طفلة صغيرة تقول:.

يا إلهي أحضرت لنا رجلا أصلع يشبه خالو ياسر الذي في الصورة... توقف الجميع وهدأ البيت لحظة ثم ما لبثت أن هجمت ولاء تضمني تقبلني تصرخ حبيبي ياسر ..ياسر ..وانفجرت باكية

دخلت غرفة الجلوس جلسوا جميعاً بقربي جلست الطفلة التي عرفتني ابنة أخي حسن اسمها حنان انتظرت قليلا علّ أبي وأمي يأتيان لم يأتيا نظرت إلى أخي الأكبر قاسم وسألته

أين أمي لم أرها هل هي نائمة ؟إن  كانت نائمة لا توقظوها فستراني غداً

سكت الجميع ولم يجب أحد سألتهم باستغراب ,ما بكم أين أمي ؟

أجابني ياسر ابن أخي قاسم والذي اسماه على اسمي حين ظنوا أني لقيت حتفي في السجن

يا عمي جدتي ماتت منذ خمس سنين

أحسست حينها أن جزءا من جسدي إن لم يكن كله قد انهار صرخت

ماذا ماتت منذ خمس سنوات؟!

لم أتمالك نفسي فانفجرت باكياً وكانت أول مرة ابكي بها أمام أحد.. انفجروا باكين هم أيضا لم يستطيعوا تمالك أعصابهم فبكوا وحين هدأت قليلاً وسكت عن البكاء سألتهم وصوتي يحمل نغمة بكاء لا تخفى: و أين أبي لا تقولوا إنه مات أرجوكم .

أجاب حسن : لا.. لا أبي لم يمت لكنه ذهب إلى البلد المجاور قال:. أنا هنا لا أستطيع العيش بدون ياسر ثم إن حكومتنا كانت تضايقه كثيراً حتى شد الرحال .

متى حدث ذلك؟

منذ ست سنوات تقريباً ولم نسمع عنه شيئاً منذ ذلك الوقت رغم محاولاتنا الشديدة للاتصال به .

لا إله إلاّ الله، ما الذي حدث في العشرين سنة الماضية يا إلهي ؟!

ووضعت رأسي بين كفي باكيا....ً أحسست بكفي حنان الصغيرتين تمسح على رأسي قائلة :

خالو ياسر أرجوك لا تبك ، أنت رجل والرجل لا يبكي .

هدأت قليلاً.. وترجونني أن أنام.. وأنسى.. كي أرتاح ؟

 ذهبت لغرفتي كي أنام لكنني لم استطع كنت أفكر في أمي و أبي  ..في أخوتي الذين أصبحوا يسهرون على التلفاز حتى الساعة الثانية بعد منتصف الليل لا يقومون لأداء صلاة الفجر كما ذكر لي أولادهم وفتياتهم ،لا أحد منهم ملتزم بالدين كما ينبغي ، لكنني لم أناقشهم في اليوم الأول وعزمت أن أتحدث إليهم في هذا الأمر في اليوم التالي .

استيقظت وحدي على أذان الفجر توضأت وأيقظت الباقين ولما هممت بالخروج للصلاة في المسجد شدني أخي قاسم قائلاً :

أمجنون أنت أتريد أن يعيدوك للسجن مرة أخرى لا تخرج .

لكنني بقيت مصراً حتى خرجت وصليت وعندما عدت رأيتهم جميعاً نائمين إلا أخي قاسما ينتظرني قلقاً علي ....سألته:. هل صلوا؟

أجل.. لكن أنت.. لم أعد أفهمك.. هل تريد أن يمسكوك أن يعذبوك؟

أجل.. أريد أن يعذبوني فهذا أفضل من أن أسهر طول الليل على أشياء يكرهها الله أو أن لا أذهب للصلاة في المسجد خوفاً على نفسي لأنني لا أريد مشاكل، ما هذا المفهوم الذي لا يحتمل .

مفهوم لا يحتمل أنت الذي لا تحتمل، مجنون ألم تتعلم بعد ؟هل تذكر لماذا أمسكوا بك تلك المرة أليس لأنك إمام المسجد وسجنت عشرين عاماً مع التعذيب ؟ ألم تتعلم ؟ .

ماذا أتعلم؟  لا تقل إنك لا تبعث ابنك للمسجد خوفاً عليه

بلى أأكذبك القول إذا .

تناقشاً كثيراً في هذا الأمر وأمر التلفاز والسهر عليه عدة أيام بل أسابيع وشهورا، لكن دون فائدة حينها قررت أن أهاجر لأتخلص مما أنا فيه . وفي ليلة كنا نتسامر فيها عرضت عليهم أني سأهاجر وادعيت السبب أن لا عمل في هذا البلد وأني متضايق جداً من حالهم ، وأنا بطبعي عنيد فبقيت على عنادي حتى سمحوا لي بالسفر لكن لم يسمح لي بالسفر من قبل الحكومة ربما لأ نني كنت سجيناً عندهم كي لا أفضحهم في أساليب تعذيبهم أمام البلدان الأخرى ن فتسللت عبر الحدود الجبلية واستطعت التحرر من هذا السجن الكبير ،ارتحلت إلى بلد  جنوب بلادي إلى حيث يتمركز كبار المهجرين المسلمين من وطني.. ارتحلت إليهم حتى أعيش معهم في راحة أمارس شعائر ديني براحة تامة ، لا أخاف على نفسي لا يضايقني أحد.. إلى مكان يحس فيه الناس بديني وروعته... وصلت إلى الأرض التي هاجرت إليها استأجرت شقة وجلست فيها.، بحثت عن عمل وبدأت به. ثم بدأت أبحث وأسأل عن رفاق دربي. وقد يسر الله لي ذلك، فلم تطل إقامتي في البلد حتى التقيت بالكثير ممن كنت أعرفهم.. كم رحبوا بقدومي.. كم هللوا وكبروا.. كم شكروا الله على ذلك.. وكم سعدت لذلك عندما علمت أن الغربة لم تغير شيئا من قيمتهم وأخلاقهم ومبادئهم، فمازالوا..ولقد دعاني صديقي حسن وهو أحد رفاق دربي على وجبة الغداء وكانت وجبة دسمة جداً أكلت حتى شبعت ثم سألته:.

أين ولدك محمد ؟....فأجابني :. خارج البيت مع رفاقه

وكيف ؟هل تلاءم مع أبناء هذا البلد.....فرد علي :. ما شاء الله كثيراً

وأثناء حديثه فتح باب المنزل.. كان محمد.. دخل وسلم علي بحرارة مما أسعدني جدا..ً نادته أمه:. يا محمد

تأفف محمد.!! ثم قال لها:. ,نعم ماذا؟

تعال محمد خذ هذا الكوب من الشراب وقدمه للضيف هيا,... رد بقرف: حاضر حسناًًً 

لقد دهشت فعلاً منذ متى والفتى يتحدث بهذه الطريقة مع والديه.. عاد وخرج مرة أخرى خارج البيت فوجدتها فرصة أتحدث بها مع والده عله يعيده لرشده:.

ما به محمد ؟هل هو متضايق من أمر ما؟

كلا أبدا ًلماذا ؟هل لاحظت عليه أمر ما؟

أجل فطريقة حديثه مع والدته غير طبيعية

فقط هذا الأمر؟! هذا أمر معتاد وطبيعي . بل بالعكس إذا تحدث معها بطريقة هادئة فربما يكون متضايقا من أمر ما؟

ماذا؟! أمر معتاد أن يتأفف في وجه أمه ؟

لا ..لا هولا يقصد بل إن طبيعته هكذا هو يحب أمه .

ماذا جرى لك يا أبا محمد؟ .. طبيعته.. ما هذا؟؟ يجب عليك أن تصلح طبيعته إذا       

(ببرودة) بإذن الله دعنا من هذا الأمر وخبرني ......قاطعته عندئذ مقهورا وقلت له ..

اسمح لي يا(حسن) لأني مشغول جداً وعملي يتطلب مني عدم التأخر فاسمح لي

ما بك ؟ لم نجلس إلا قليلا،و لم نتحدث بعد .

أرجوك أعذرني لأني فعلا مشغول في مناسبة أخرى أن شاء الله سأجلس وسنتحدث حتى تمل مني فاسمح لي هذه المرة . ألح علي كثيرا أن ابقي لكني كنت متضايقا لم أتحمل اكثر فأصررت علي الذهاب فما استطاع منعي من ذلك خرجت وأنا أفكر في كلمات أبى محمد عن ابنه محمد (طبيعته) لماذا تحول حسن لهذه الحالة (اللامبالاة) كم كان غيور علي شعائر دين الله تمنيت لو أني لم اعرف عنه شيئا لو انه مات.. ومر أسبوع على ذلك ودعاني رفيق أخي أبي مازن على العشاء في منزله أيضاًً سعدت لذلك وذهبت حينها وجلسنا بعد العشاء مدة نتسامر فيها قطع حديثنا ضجة عالية من الأغاني الأجنبية فقلت له:. أعانكم الله علي جيران كهؤلاء... فسكت ولم يعقب!! تجاهلت ذلك متابع حديثنا وإذ بصوت ابنه يتلفظ حبيبي تر رم.. تر رم يغني وبصوت عالٍ ناديته مازن تعال مازن..  ناداه أبوه:. مازن إن عمك ياسر يريدك.. أتى مازن قائلاً : تكرم عمو ياسر طلباتك

صوتك جميل يا مازن

حقيقي هل أعجبك هل سمعتني وأنا أغني حبيبي

إذن أنت من كنت تغني ....فأجابني:. أجل لماذا ؟

وأنت من كنت تسمع الموسيقى الأجنبية؟؟

,أجل وقد تعلمت الرقص عليها من صديقي في الجامعة

حينها أحسست أن الدنيا دارت ودارت بي حتى حطمتني ،أيتحدث بكل سهولة هكذا وأمام أبيه ؟!وأبوه لا يجادله في هذا الموضوع أبداً كيف وأبوه كان شديد الالتزام؟ كيف ذلك لم أعد أفهم أيقظني من تفكيري متابعة أبي مازن لحديثه

إن أبا دجانة قد دعاك لسهرة يقيمها في منزله ليلة السبت القادم ويجب أن تأتي لأنه أكد علي ذلك ...فوافقت ثم نهضت لأذهب فقد تأخر الوقت.. ودعني وخرجت. وفي أثناء طريقي للمنزل فكرت ملياً في حال هؤلاء المغتربين ولماذا أصبحوا على هذه الحالة من(الغباء) ثم خطرت لي فكرة قررت تنفيذها وهي مناقشة إخواننا في أمور أبنائهم ليلة السهرة عند أبي دجانة فليس فقط أبو محمد وأبو مازن هما اللذان لم يوجها ولديهما، بل كثير منهم  مما أدى إلى انحراف واضح، فمنهم من يلاحق الفتيات ومنهم من لا يصلي  كمحمد ومازن وبعضهم قد تغير هو، وليس ابنه فأبو محمد أصبح مراده أن يكون بارزاً وزعيما وهو المتكلم فقط ومنهم من أصبح همه جمع المال وتعليم الأبناء كيف يجمعون المال فيحيون لجمع المال لا لإقامة دين الله في الأرض ..وفي ليلة السهرة لبست معطفي وخرجت من المنزل أتمشى وإذ بي سمعت من دكان خبراً عن مقتل 17 يهوديا وجرح 50 آخرين في عملية فدائية نفذتها فتاة تبلغ من العمر 16 عاما في فلسطين.. كم بكيت على هذه الفتاة وأنا وأمشي كم احترق قلبي ألهذه الدرجة فقد الرجال في هذا الزمان... ويح هذا الزمن ورجاله ...ولما وصلت ودخلت سلمت عليهم فرد علي اثنان أو ثلاثة فقط، والباقي لم يسمع لأنه مشغول.. خلعت معطفي وجلست قرب أبي دجانة بدأت أناقشهم في أمور أبنائهم وأمورهم فوجدت رداً لم يخطر ببالي

يا جماعة أبناؤكم كل واحد شاب وسيم جميل لكنه ...لكنه

لكنه ماذا تكلم

لكنهم غير ملتزمين لماذا لا تعتنون بهم، وتربونهم على الدين؟  

ماذا يا ياسر نحن هنا لسنا في وطننا فلا نريد أن نقع في مشاكل أخرى فنطرد أيضاً من هذا البلد أتريد غربة على غربة ؟

ماذا تريد يا رجل أتريد  لولدكضياع دينه كي لا يضيع دنيا؟! حافظ عليه أولاً دينا ثم دنيا

قاطعني أحد الجالسين محاولاً تغيير الموضوع

هل سمعتم عن الفدائية التي فجرت نفسها وقتلت 17 يهوديا وجرحت 50 اخرين ما رأيكم بها

أظن أنها على باطل وعمليتها غير مقبولة عند الله لأنها لأجل نجاح العملية تخلت عن حجابها .

لا بل بإذن الله مقبولة لأنها تدافع عن أرضها ودينها بأية طريقة

لكن طريقتها معصية لله لأن خلعها لحجابها عصيان

ما كانت لتفعل ذلك إلا لأنها تأكدت موت الرجال في هذا الزمن.. ثم هل تغار على دين الله؟ قال ك

أمر طبيعي أن نغار على دين الله وحجاب البنات.

فلماذا لم تذهب أنت عنها لتقوم بالعملية الفدائية كي لا تخلع حجابها فيحترق قلبك غيرة عليها

أنا... [وضحك الجميع]... تجاهلت الأمر فقال أحدهم :

لو أن الفلسطينيين هدأوا وصبروا ولم يقوموا بالعمليات الفدائية لقبل اليهود بالسلام .

سلام؟! لا سلام مع اليهود فهم منذ عهد رسولنا الكريم  يغدرون ويقتلون

ما بك أبا دجانة أبدِ رأيك لم نسمع لك صوتاًً منذ الصباح لماذا أنت ساكت؟

أنا؟ ماذا سأتكلم؟

أتذكر أنك كنت تبدي رأيك دائما، بل وكان صوتك  أعلى الأصوات.. ورأيك كما أعلم سديد.. فهيا تكلم

دعك مني فقد أصبحت عجوزاً ولم يعد عقلي سديدا.. خرفت مع الكبر.

ضحك الجميع.. غير أني لم أضحك بل كدت أبكي لكني تمالكت نفسي وفجأة سمعت أحداً يشتم

الأوغاد.. الكلاب.. الحمير.. الحقيرين.. اليهود... يستحقون القتل

لماذا لا تقوم أنت بفعل ذلك بدلاً من شتمهم ولو أنك توجه ابنك فما أظنه إلا رافعاً رأسك بأن يرتحل للجهاد في فلسطين

لا ..لا أرجوك لا تعلقنا بالإرهاب

هل تمزح؟

وهل في هذا الأمر مزاح؟

قاطعه أحدهم قائلاً

لا تقتل ولا نقتل هذا ما يفشل السلام نحن نستطيع العيش مع اليهود لكنا لا نريد

عندها غضبت غضباً شديداً وصرخت فيهم وجسدي يرتجف ويتصبب عرقاً

لا نريد؟ ..نستطيع لكن لا نريد؟!! هل تقصد أنك تريد؟ ماذا دهاكم يا إخوان ماذا أصابكم مرة تريدون سلام ومرة تظهرون الخوف.... لا أكذبكم القول (قسماً... قسماً لعذاب السجن أحب إلي من أن أراكم على هذه الحالة من الذل و المهنة والخوف)

رد أحدهم ببرودة ولا مبالاة

اهدأ فهذه الأمور لا تستحق منك كل هذا الغضب

حينها أحسست أن ناراً تأججت في صدري فنهضت وصرخت به ...

لا تستحق مني كل هذا الغضب؟

جريت نحو علاقة الثياب وأخذت معطفي وارتديته  .صرخ أبو دجانة:.

إلى أين ؟ ياسر ؟ تعال لا تغضب واجلس لم نحضر الضيافة بعد .. تعال ..

قال أبو مازن:. لا تغضب نفسك سوف نغير الموضوع

قاطعته بعدما هدأت:.

كلا.. أنا لم أعد أتحمل الجدال معكم .. لقد تغيرت مبادئكم وأفكاركم وآراؤكم وأخلاقكم وخمدت هممكم وأصبحتم جبناء.. تماماً.. لم أعد أتحمل

صمت برهة ثم أكملت

يؤسفني أن أقول لكم.. أن هذا آخر لقاء بيننا لأني لم أعد أتحمل لقائكم وحديثكم ... أنا راحل عنكم .....

..  طأطأت رأسي لحظة ثم رفعته ناظراً إليهم نظرة أسى وحزن وعتاب ثم أكملت...

أنا عائد للمعتقل ......