على باب الجامع
على باب الجامع
بقلم :غرناطة الطنطاوي
ناديت ولدي:
- أسرع يا حسين لنلحق صلاة الفجر جماعة في المسجد.
- حاضر يا أبي، فقد أسبغت وضوئي.. اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين.
في الطريق.. مع نسمات الربيع البليلة، وسكون الفجر الحاني، كان صوت إمام المسجد يصدح
بتسبيحات تمسّ شغاف القلب.. دخلت المسجد مسرعاً، وكان ابني ورائي.
وقفت للصلاة.. وإذا أنا أسمع جلبة وهرجاً ومرجاً خارج المسجد.. ويا هول ما رأيت..
سيارتان عسكريتان ممتلئتان برجال في لباس مدني قد ترجّلوا من السيارتين، والمسدسات والرشاشات في أيديهم، وقد أحاطوا بابني من كل جانب والأسلحة مصوبة تجاهه، كأن ابني وحش مفترس، أو مجرم خطير، وليس صبياً صغيراً لم يبلغ الحلم بعد..
ركضت مسرعاً لإنقاذ ابني.. وقلبي قد سبقني إليه لأتحدّث عنه بلساني..
سألتهم في أدب وقلبي يلعنهم:
- ماذا فعل ابني؟
ردّ جلف منهم:
- ما الذي أخرج ابنك مبكراً هكذا؟
أجبته بصوت خفيض منكسر خوفاً على ابني منهم:
- ليصلي الفجر معي جماعة في المسجد.
انفجر الأجلاف بالضحك.. وأسنانهم السُّود الصُّفْر تشي بما في صدورهم:
- ليصلي الفجر.. أم ليوزع منشورات؟!..
خفق قلبي بشدة حتى كاد يخرج من بين أضلاعي، ويسقط تحت قدميّ:
- منشورات؟.. يا سادة.. إن ابني صغير، ليس في العير ولا في النفير.. إنه في الثالثة عشرة.
أخذوا يلعبون بابني كالكرة، كأنهم سمعوني أقول لهم:
"إنّ ابني كرة فالعبوا به كما يحلو لكم.."
فهذا يركله ببصطاره إلى زميله.. والآخر يحمله ويرمي به إلى زميله الآخر.. فيقع أرضاً ليركله الآخر..
صعقت مما أرى، فاندفعت أشقُّ طريقي بينهم بقوة، لا أدري كيف، ولا من أين أتتني هذه الشجاعة.
رفعت يدي لأتلقّى ولدي الذي طيّره أحدهم ككرة بالية.. ووقعنا أرضاً..
احتضنته بيديّ.. مسحت وجهه الذي أخذت معالمه تختفي من اللكمات و الكدمات. ولكن
(الأشاوس) انتزعوه من بين يديّ، وأخذوا يجرّونه من شعره، ويسحلونه، كأنه شاة
مذبوحة.. ثم ألقوا به في سيارة عسكرية كأنه مقاتلٌ عنيد وقع في الأسر، وطاروا به
وهم يسبّون ويقهقهون.