أحلام السيدة فضيلة

أحلام السيدة فضيلة 

نعيم الغول

مدت مديرة المدرسة يدها بمجموعة من الأوراق إلى المرأة التي جلست أمامها . ابتسمت بلطف و قالت :

- سيدة فضيلة  ، هل ننتهي أولا من الإجراءات المالية ؟"

قالت السيدة فضيلة  و قد اكتست ملامحها جدية   و ندت قسماتها عن  آثار  العقد الخامس من العمر :

_ لا بأس  في ذلك . كم يجب أن ندفع الآن ؟"

قلبت المديرة بعض الأوراق ، و أخرجت كتيبا صغيرا قلبت صفحاته ثم قالت :

-                   "في أي مستوى ابنتك الآن ؟"

- "التاسع ."

 "أوه ، مرحلة صعبة من العمر ."-

-" جدا ,  لن تعلمي كم اشعر بالقلق عليها في هذا السن . إنها ابنتي الوحيدة . و أريد لها أن تكون  الأولى في صفها.  أريد لها أن تكون مثقفة  واسعة الاطلاع ."

-"معك حق  و لكن عندنا لن تقلقي أبدا .  بالنسبة للمبلغ  .. بما أنها  ستدخل الصف التاسع . و حسب الجدول لدي فان رسوم العام الدراسي ستكون ألفا و سبعمائة دولار ."

-"دولار ؟ لماذا ليس بالدينار ؟"

-"نحن نتبع  لمدرسة  دولية .. أمريكية كما تعلمين .و حساباتنا و معاملاتنا  بالدولار .. هذا أفضل من التورط في مسائل- أسعار الصرف  و اختلاف العملات ، فهذا يزعج  إدارتنا الرئيسة في  ديلاوير " .

مرت لحظة صمت .بدا ان السيدة فضيلة تحاول استيعاب المسالة ثم هزت راسها وقالت :

-" لا يهم . هل سيكون هذا المبلغ شاملا لكل شيء ؟"

-"لا . هناك الكتب و المواصلات و كلفتها  ثلاثمائة دولارا  فقط ."

-"هذا حسن . المهم أن تلقى المستوى العلمي المرموق الذي سمعنا عنه"

"- ليس المستوى المرموق و حسب . المستوى التربوي المتفوق . نحن على اتصال  مستمر بمراكز الأبحاث التربوية  في مختلف المجتمعات الأمريكية ، و لدينا برنامج خاص لتطبيق آخر نتائج الأبحاث التربوية هناك . تستطيعين القول إن ابنتك تدرس في الولايات المتحدة ."

-"هذا مطمئن .. شهادات التقدير أمامك تثبت أن ابنتي شاعرة موهوبة.. لغتها العربية قوية.. "

" - عظيم سنصقل موهبتها .. نحن متخصصون في صقل المواهب و تفجير الطاقات . كل الطاقات  بل  أكثر من هذا ، لدينا القدرة على بناء شخصية الطالب و الطالبة . هناك مستقبل ينتظرهم و نحن من يوصلهم إليه  "

-هذا ما نحلم به لابنتنا

"- هذا ما سيكون . مفهومنا للشباب مفهوم قائم على تكامل الشخصية ، و خاصة بالنسبة للفتاة ."

"- نعم ، البنت  شيء مهم . يجب أن يكون لها وضع و ترتيب خاص أليس كذلك؟"

-"صحيح و لكن لا شيء عندنا هنا اسمه بنت أو ولد . نفضل كلمة فتاة و نحن في الحقيقة لا نضع برنامجا خاصا لكل جنس . هذا سيمس تكامل الشخصية  لدى كل منهما . هل توقعين على التحويل المالي الآن سيدة فضيلة  ؟"

أمسكت السيدة فضيلة  بالتحويل المالي و  توقفت بالقلم عند مكان التوقيع بعد ان  قرأت  ما علاه بعناية كعادتها قبل ان تقدم على شيء هام .ثم قالت بتؤدة :

-"إذا سمحت لي ! أعلم  أن المدرسة مختلطة ، و نحن لم نجرب المدارس المختلطة من قبل . و لكن زوجي لا يجد مانعا في ذلك .. لقد قال لي انه لا يستطيع أن يرفض الاختلاط  و هو نفسه مدرس في الجامعة  .. معيد في كلية التربية .. أنا شخصيا لا ادري . هناك من لا يحبذ ذلك و هناك من يتحدث ضده."

" -اعرف من تقصدين . أنت و أنا امرأتان و نعرف قيمة ان تخرج المرأة من سجن الأفكار المتحجرة . الفتاة  لديها طاقات و يجب ان تنطلق هذه الطاقات . المدارس المنفصلة مودة قديمة أثبتت فشلها . ستعجبين من قوة الشخصية لدى طلابنا و طالباتنا . نحن نفخر بأننا المتخصصون في تخريج القادة .. و في المواقف الصعبة نعلمهم كيف يتخذون القرارات العقلانية الصائبة . هلا وقعت التحويل سيدة فضيلة  ؟"

-"هل أزعجتك ؟ تبدين في عجلة من أمرك ، هل هناك اجتماع او شيء من هذا القبيل ؟"

-"لا و لكن لدينا أوراق أخرى يجب توقعيها أيضا . و هي بنفس أهمية التحويل ."

دخلت امرأة   بعد ان طرقت الباب ، كانت ترتدي جاكيت  و تحته   الفانلة  المسماة "بودي " التي بدا  أنها كرهت نحرها فأطت منزوية  عنه ،و كادت تكشف ما دونه و بنطالا  ضيقا يتأفف من التصاقه ببدنها . سارعت المديرة الى تقديمها للسيدة فضيلة  :

"الآنسة فيكي ادمون  المرشدة الاجتماعية  و مسؤولة برامج النشاطات اللامنهجية .  

مالت المرشدة برأسها الى المديرة و همست في أذنها . تجهمت المديرة : و قالت بصوت خافت :" بعد عشر دقائق .. عشر دقائق ."

قالت المرشدة : "يجب ان نتدارك الأمر اليوم ."

ردت المديرة بحنق  تحاول مغالبته:" بالتأكيد . ماذا بك أهي اول مرة ؟ سنحل الموضوع  كما فعلنا في مرات سابقة . اتركينا الآن اذا سمحت فيكي ."

كانت السيدة فضيلة  لا زالت تنظر إلى  المرشدة  التي خرجت مسرعة و انتابها شعور بان البنطال قد يتمزق في أي لحظة من فوق بدن المرشدة .  قالت  و قد خلا وجهها من التعبير  :

-"هل  تختلط المرشدة بالطلاب كثيرا ؟"

علت  مسحة من البرود وجه  المديرة و لكنها سرعان ما أخفتها وقالت :

-" انه جزء من عملها. إنها جيدة جدا في عملها.. لديها أسلوب رائع في حل المشكلات . نحن نؤمن بالحرية الشخصية هنا و نحترمها . الملابس شيء لا قيمة له .. مسائل نسبية " و توقفت و نقلت بصرها في ملابس السيدة فضيلة  . و بدا أنها رأت الآن  أنها  تغطي رأسها و نحرها  بمنديل  و أنها ترتدي جلبابا . كان المنديل قد تراخى قليلا عن راس السيدة فضيلة   حتى بانت ناصيتها.

 استطردت المديرة : " هل يمكن ان ننتهي من الإجراءات المالية الآن ؟"

نبرة الود اختفت فجأة  من صوتها وبدت  اكثر حزما الآن. 

احمر وجه السيدة فضيلة   .قالت: "كنت أريد ان أحصل على معلومات اكثر عن المدرسة و المدرسات و المدرسين و جو المدرسة . و لكن يبدو انك  مشغولة . "

و صمتت و ساد الصمت في الغرفة. و قرع الباب  فنظرت المديرة و قد بدا  في عينيها توجس حاولت إخفاءه بلملمة بعض الأوراق المتناثرة على المكتب . و لم تنتظر ليفتح الباب و لم تقل  ادخل بالإنجليزية  كعادتها  وهي تمطها " كميــن" بل هرعت إليه و من شقه نظرت و  أخذت تتهامس مع من كان وراء الباب.

لم تعر  السيدة فضيلة للأمر اهتماما فقد غرقت في التفكير ثم تمتمت:"  لا ادري هل  أوقع و أنهي الأمر الآن و نكون بذلك قد وضعنا ابنتنا في افضل المدارس تقدما في البلد كما قالوا لزوجي ،ام أؤجل الأمر و أعود لاستكمال  أسئلتي ؟ المشكلة ان لدي الكثير من الأسئلة  و لا ادري متى يجيبون عليها. و زوجي يقول إنه لا يجدر بمعيد في كلية التربية أن يناقش هذه الامور . وهناك الكثير من الدكاترة في الكلية  درسوا في أمريكا و ماذا نعرف نحن قياسا لما يعرفون .. ولكني اشعر ان زوجي لا يجد الشجاعة كي يسأل او يناقش .. اما أنا فلا اعرف .. لا ادري ..  أنا أمها و أريد لأحلامنا ان تتحقق .. أظن ان علي ان أوقع و أتوكل على الله. لقد استخرت قبل ان أجيء..  المهم ان لا نحرم البنت من فرصتها و من مواهبها..  أنا لا احلم الا ان  أؤدي رسالتي تجاهها .. ما يدرينا .. عسى ان تكرهوا شيئا ..

عادت المديرة و قرعت  رأسها بالسؤال  مرة اخرى :

_" ماذا قلت سيدة فضيلة ؟"

-                   "أرجو المعذرة كنت أود ان احصل على معلومات اكثر و لكني سأوقع ان رغبت الآن فانتم تعلمون اكثر منا  و قد قالوا لزوجي إن البنت ستكون بين أيدي أمينة .  " و جلست و مدت يدها الى القلم ،و في تلك اللحظة فتح الباب بقو ة و هرعت امرأة  شابة  الى الداخل و دقت بقبضتها مكتب المديرة و صرخت بعصبية :

 _"أنا لم اعد احتمل . يجب ان تفعلي شيئا ."

و ضعت المديرة يدها على فم المرأة  و أشارت الى الباب :

_"ما بك ؟ ألم نتفق منذ دقيقة واحدة اهدئي و اخرجي الآن ، أرجوك "

“ _لن اخرج وحدي . لن أواجه الموقف وحدي . البنت في حالة حرجة  .

"_ اسكتي أرجوك "

تابعت بهستيرية :

_" صديقها هرب من المدرسة وترك حقيبته"

_" اخرجي الآن "

_" وجدوا حبوب مخدرة  في حقيبته"

ضربت المديرة المكتب بيدها بعنف " اخرجي و سوف أتصرف.

قالت الفتاة بلهفة و تهديد : " نعم . نعم ..   تصرفي ان لم تفعلي اتصلت بالشرطة  و سأقول لهم إن الفتاة كانت حامل ..  الغبية لم تستفد من دروس الثقافة الجنسية . يجب ان تتصرفي .. سأقول لهم إنني مجرد سكرتيرة و لا دخل لي في شيء .. أنت و المرشدة و الطبيب كنتم تعلمون .. وحين قرر الطبيب الإجهاض للفتاة ، اتصلت المرشدة بوالديها و قالت إن الفتاة ستغيب في رحلة كشفية مدة أسبوع .. أليس هذا ما اعتادت المرشدة ان تقوله للوالدين في كل مرة ؟ ولكن الفتاة الغبية لم تنتظر حتى يرتب الطبيب الامور كالعادة ، و  أجهضت نفسها بعدما أقنعها الشاب الذي حملت منه  بذلك، و أعطاها كمية كبيرة من الحبوب المخدرة و هرب ، و هي الآن .. يا الهي " ..

سقط القلم من يد السيدة فضيلة  وخرجت مسرعة و هي تثبت  منديلها  على رأسها بعناية .