غزوان في المهرجان

عصام أبو فرحه

[email protected]

طويل القامة , اسمر البشرة , غائر العينين , عظيم الشفتين , مألوف الوجه  ,

بعض اهل الحي يصفه بالشجاع والمقدام  بينما يصفه البعض الآخر بالمندفع والمتهور,

مسميات لا يكترث بها غزوان ولا تعني له شيئا فقد اعتاد ان يتصرف كيفما شاء وأن يتحمل نتائج تصرفاته , يعيش حياته بطريقته , لا يرضا الظلم ولا ينام مغلوبا , لا يضيره قول ( لا ) في أي مكان واي زمان .

في ذلك اليوم قال ( لا ) , اطلقها مدوية تهز الفضاء وتزلزل الارض , قالها في وجه مجموعة من ( جند الظلام ) عند اعتراضهم طريق بعض نسوة من الحي في وضح النهار امام العيون , وبينما اختبأ الجميع خلف صمت جبان , اندفع غزوان واشتبك معهم وحيدا , مدافعا عن العرض والشرف والكرامة , اشتباك بفتقد الى التكافؤ ساقته اليه نخوته وشجاعته او ربما تسرعه وتهوره ( وعباطته ) كما يقول البعض .

ركلات ولكمات وصفعات ( ودفسات ) وقع غزوان بعدها دون حراك قبل ان يأخذه الجنود ويغيبون به عن الأنظار  , وما هي الا بضعة ايام حتى أصبح اسم غزوان يتردد في الحي وفي الاحياء المجاورة وغير المجاورة , يتردد اسمه في البيوت وفي الشوارع , في الاسواق وفي الجوامع  , يتحدث الرجال عن بطولاته وتتحدث النساء عن شجاعته واقدامه .

تبلغ ( السيرة الغزوانية ) ذروتها عند شيوع خبر الحكم بالاعدام الصادر بحق غزوان  , والذي سينفذ في ميدان عام يتوسط الاحياء .

مسيرات التضامن والدعم في كل شارع , تكبيرات في الجوامع , صور غزوان في كل مكان , بيانات ومنشورات ويافطات تشيد بالبطل , غرف عمليات دائمة الانعقاد في مقر مجلس الحارات الأعلى , كل العيون ترقب اليوم المشهود , مناشدات ودعوات تطالب مجلس الحارات باتخاذ القرارات , وبعد صولات وجولات ونقاشات وجدالات  وخلافات ومصالحات يصدر البيان :

( بيان - رقم 1-  للتضامن مع غزوان ) : يتم اطلاق لقب ( حامي العرض ) على البطل القومي غزوان , حيث سيكون يوم اعدامه يوما للتكاتف والتضامن والوحدة ,  وبما ان بطلنا خاض معركته دفاعا عن عرضنا وعن نسائنا , فأن النساء هن العنوان الأبرز للتضامن والاحتجاج في ذلك اليوم , حيث ستخرج كل نساء الاحياء الى ميدان الاعدام مرتديات لباسا احمرا , لون قميص الاعدام الذي سيرتديه غزوان .

محلات الاقمشة تعج بالمتسوقين , مشاغل الخياطة تعمل ليل نهار , الكل في حراك دائم , تحولت الاحياء الى خلايا نحل تعمل وتعد لليوم المشهود , وفود من النساء يدخلن ويخرجن من بيت زوجة كبير التجار ( ام بشار ) متسائلات عن قطعة من الجوخ الاحمر اشترتها من مكان غير معلوم , وام بشار لا تبوح بسرها الا لبعض المقربات , تخرج ( زهيه ) غير مكترثة بقطعة الجوخ والتي لم تعرف مصدرها قائلة لمن معها : لا اريد قماشا , سأشتري ثوبا جاهزا يبهر ام بشار ومن يقف خلفها , ومن يضحك اخيرا يضحك كثيرا , اما ( ام السعيد ) وشقيقاتها وبناتها فقد هداهن الله الى خياطة اجنبيه تعمل في بيتها فدفعن لها مبالغ طائلة مقابل تصميم جميل غريب عجيب لثوب احمر مزركش على ان يبقى هذا التصميم حكرا للعائلة .

وها هو المختار ابو سليم يطرد سليم وزوجته من البيت بعد خلاف نشب بين ( الحماة والكنة ) كان سببه ثوبا احمرا اشترته ام سليم ( لكنتها ) فلم يعجبها وامتنعت عن قبوله قائلة انها اوصت والدتها بشراء ثوب لها .

معارك حمراء حامية الوطيس درات رحاها في البيوت والاسواق وفي الطرقات تحضيرا ليوم التضامن والوفاء .

في اليوم المشهود وفي الميدان العام الذي يتوسط الحارات علقت المشنقة بانتظار غزوان , الوفود تتوافد من كل حدب وصوب , الحناجر تصدح بسيمفونية رائعة لمطربة مناضلة اطلقت انشودة تقول في مطلعها ( حبيبي على نياتوو كل البنات اخواتوو ) .

رجال يدخلون بالمئات مصطحبين زوجاتهم وبناتهم واخواتهم وقد ارتدين ثيابا  حمراء بعضها من الجوخ وبعضها من الحرير وبعضها من الصوف الانجليزي الفاخر , والعيون كل العيون معلقة بمدخل الميدان حيث يتم تقييم وتثمين ( الفساتين ) الداخلة ,  يتبعه اجراء المقارنات , ويلاحظ هنا وهناك بعض المناوشات تبدأ بشتائم ولعنات نسائية سرعان ما تتحول الى عراكات بين الرجال .

وفي ركن بعيد من اركان الميدان يقع خلف العيون وبعيدا عن الاسماع كان الجند قد نفذوا حكم الاعدام بغزوان واخذوا جثته مرتحلين .

اما المناوشات والهرج والمرج وتبادل الشتائم فقد ظلت مستعرة على ارض الميدان الى ان حسمها اقتراح حكيم بتشكيل لجنة محكمين تفصل في قضية أي ( فستان هو الاجمل والاثمن ) .

منذ ذلك اليوم صار الميدان مسرحا لمهرجان سنوي يقام في مثل ذلك اليوم من كل عام , وتكريما لروح شهيد الارض وحامي العرض ( غزوان ) فقد اطلق على ذلك المهرجان السنوي اسم :

( مهرجان الشهيد غزوان لاختيار اجمل عارضة وافضل فستان ) ولك الله يا غزوان .