سَوْسَن
سَوْسَن
مصطفى حمزة
كانت تتباهى بلونِ الزيتونِ في عينيْها ؛ فتغمز لكلّ مَن يُصادفها من الجيران شابّاً كان أم أكبرَ ! وتقفز برشاقة الغِزلان صاعدةً هابطةً درجَ العَمارةِ مُتبذّلةً تمورُ فيها رغبةُ الثامنةَ عشرةَ وتُحرقُ منها حياءَ العَذارى ! وكانت حينَ تُطلّ مِنْ شُرفةِ بيتهم فوقَنا تُطلقُ الشعرَ الذهبَ لِيُعانقَ كلّ نسمةٍ عابرةٍ ويذهب معها .. وفي الليلِ كانَ يطيبُ لها الركونُ إلى البلكون بِغُلالةِ نومِها تتأمّلُ النجومَ حتى يَغشاها النُّعاسُ فتثّاقلُ عائدةً إلى غُرفتِها تاركةً في قُلوبِ المتلصّصينَ صُوَراً منها ناريّةً ترسُمها الشياطينُ !
وسلّمتُ إلى غُربتي صَفحاتِ عُمري ، فقلّبتْها ومزّقَتْ منها ما شاءَ لها القدرُ المكتوبُ وحينَ عُدتُ في الخريفِ سألتُ أمّي عنها لمّا جرى حديثُ الذكرياتِ ، فقالتْ أمي : منذُ زمنٍ يا بُنيّ حَجَرٌ طائشٌ في الشارعِ بَيّضَ الأخضرَ في عينِها وتَرك لها الأخرى !واليومَ لها مجلسٌ في المسجدِ تُحفّظُ فيه القرآن !