التاريخ المتوقف
التاريخ المتوقف
عصام أبو فرحه
احب ذلك الصوت رغم حدته ورغم كونه مزعحا بعض المرات ,,,
يظل محببا الى نفسي رغم انه ينقلني في كثير من الأحيان من عالم الاحلام الجميل الهادىء الى عالم الواقع المرير ,
انه الشيء الوحيد الذي يذكرني بأن الزمن لم يتوقف متحديا بذلك كل مؤشرات توقفه ,,
في السادسة صباحا زارني ذلك الصوت كعادته ليذكرني من جديد بأن الزمن لم يتوقف ,,,
ضغطت بلطف على الساعة واوقفت منبهها فقد قام بواجبه لهذا اليوم مشكورا ..
ببدأت القيام بالأعمال الصباحية المعتادة , محاولا من خلالها كسر الروتين والملل والتكرار فهذه قهوتي الصباحيه ساشربها اليوم ( سكر زيادة ) فقد شربتها بالامس ( سادة ) , اما ذقني فلن اقوم بحلاقته لبضعة ايام قادمة كنوع من التغيير ,
كم وددت لو ان شعري على قيد الحياة ليساعدني على التغيير والتبديل ,
لكن ولله الحمد ( من اعطى اخذ ) ,
خرجت من البيت فدخلت في دوامة الزمن المتوقف من جديد ,,,
ابو على بائع الخضار ينادي مسوقا ( لصندوق من الخيار ) اشتراه قبل اسبوع ,,
مسعود البقال يوقف نظارته على رأس انفه يرحل ديون اليوم السابق , متسائلا عن موعد تحويل رواتب الموظفين
ابو ابراهيم الحلاق ينظر الى ذقني معاينا , يرقب خطواتي يحدوه الامل ان ( يستفتح ) ,
اما انا وككل يوم فقد اتجهت الى فتوح – يائع الجرائد _ واشتريت ( جريدة القدس ) , وسحبت كرسيا من كراسي المقهى الذي يتوسط ساحة الحارة وجلست متصفحا الجريدة ,
سرعان ما احضر لي عامل المقهى كاسا من الشاي بالنعناع دون ان اطلبه , ولم الاحظه يسجل ثمن الشاي في الدفتر , اظنه يسجل ثلاثين كأسا في صفحتي مع بداية كل شهر متجاهلا ايام الجمعة ,,,
روتين وتكرار , كل شيء امام عيني اشاهده كل يوم , كل صوت اسمعه يتردد كل يوم ,
حتى هذه الجريدة انما اشتريها كجزء من ذلك التكرار وذلك الروتين , ,,
اخذت رشفة من الشاي واشعلت سيجارة وبدأت بتقليب صفحات الجريدة ,,,
لم استطع التنسيق بين الشاي والسيجارة وتقليب الصفحات فوضعت الجريدة على الطاولة مفتوحة وبدأت بقراءة عناوين تلك الصفحة التي وقف ( التقليب ) عندها ,,
شعرت بانها جريدة امس واول امس وجردة غد وبعد غد ,,
عناوين مكررة , اخبار تعيد نفسها , لا جديد ,
قرات خبرا عن قرب التوصل للسلام في المنطقة ومقالا يؤيد الحل السلمي كخيار استراتيجي ,
انتقلت عيني لخبر عن المقاومة وصمودها ومقالا اخر يشيد بتلك المقاومة ,,
عنوان بالخط العريض يعلن شجب جامعة الدول العربية للاحتلال والاستغلال ,,
مقترحات من دول عربيه لتحقيق امل الوحدة والتكامل الاقتصادي ,,,
اخبار عن دعم ومساندة من دول عظمى لاخرى ناميه لمساعدتها على (البلوغ) واكتمال النمو
اخبار عن موجات من الغلاء تجتاح العالم والعالم العربي خاصة ,
دعوات من بعض الكتاب ( الطائشين ) لاستعمال سلاح النفط ,
جريدة كجريدة كل يوم , وأخبار ليست بمختلفة عن اخبار كل يوم ,
لا جديد الا ان الارهاق الذي اصاب عيوني في هذا اليوم كان اكبر ,,
ربما انا بحاجة الى فحص للنظر ؟ ,,,
أو ربما كان الخط الذي كتبت فيه الجريدة في هذا اليوم اصغر من المعتاد ؟ ,,,
امعنت النظر في الصفحة التي أمامي فأدركت ان الخط اصغر من المعتاد ,
فسعدت بسلامة نظري ,,
حان موعد الذهاب الى عملي ,
التقطت اشيائي المبعثرة على الطاولة , علبة السجائر , الولاعة , منديل من القماش
هممت لطي الجريدة فلاحت لي( ترويسة ) الصفحة التي كنت اتصفح ,,,
تمعنت فيها قرأتها مرات ومرات قبل ان انفجر بضحكات عالية ,
قلت محدثا نفسي : كنت اشعر بتوقف الزمن واليوم اشعر بتوقف الزمن والتاريخ معا ,
فقد كانت تلك الصفحة هي صفحة ( القدس قبل عشرين عاما ) *
* جريدة القدس الصادرة في فلسطين تفرد صفحة في كل يوم تصور فيها الصفحة الاولى من الجريدة قبل عشرين عاما .