امدحها تأسر قلبها
امدحها تأسر قلبها
د. عباس العبودي
قصة من وحي المجتمع
جلس الزوجان على مائدة الطعام . . تلك المائدة التي كانت عامرة بما لذّ وطاب من أصناف المشهّيات . . والتي قضت الزوجة نصف يومها في تحضيرها . والتي تسببت في عدة حوادث للزوجة . . كجروح في أصابعها من جراء تقطيع اللحم . . والتواء في ساقها اليسرى عند الوقوف على الكرسي لإحضار كيس الأرز من فوق الدولاب . وأخيرًا ورم في جبهتها بسبب سقوط كومة البصل على رأسها.
الزوج منهمك في إصطياد اللقم من المائدة . . ومضْغ قطع اللحم المشوي . . وأخْذ حفنة أرز على قطعة اللحم . . ثم يتبع ذلك كله ببعض الباقلاءالمطبوخة والتي كان طعمها شهيًا كبقية الأطعمة الموجودة . فزوجته أستاذة في صنع الباقلاء واللحم المشوي . فقد تعلمت كل ذلك من بنات عمها.
كانت الزوجة في حسن استقبال زوجها. فقد قامت بشراء بعض الشموع الحمراء والتي وضعتها مضاءة على مائدة الطعام مع بعض الورود الحمراء والصفراء والبيضاء وزينت بها بقية الغرفة لتظهر في مشهد رومانسي حالم وحالة حب حقيقية بين الزوجين.
كما كانت الزوجة متهيئة متزينة لزوجها بأجمل زينة . . لابسةً ثوبًا أزرق مطرزًا ببعض التطريزات الجذابة كان عندها منذ فترة الخطوبة . . لتجدّد به عهدها بتلك الفترة الحانية . . وتعيد به ذكريات الحب والغرام والشوق والهيام.
وبعدما فرغ الزوجان من الطعام دار هذا الحوار بينهما:
حبيبي- ما رأيك في الفستان ؟ هل تذكره ؟
- نعم .نعم . اذكره أليس هذا فستان الخطوبة , لقد تكدّر لونه وتغيّر كثيرًا - يتغير وجه الزوجة . . يا ليتني لم ألبسه . . كنت أريده أن يتذكر تلك الأيام الجميلة . . هكذا قالت الزوجة في نفسها.
حبيبي - وما رأيك في الشموع والأزهار . . أليست رائعة ؟
- لا أدري لمَ تُجلسيننا في الظلام وهاهي الكهرباء متوفرة ؟
-زين حبيبي وما رأيك في الباقلاء والرز ؟- - ينقصها بعض الملح .
- وما رأيك في اللحم المشوي؟
- لو كنتِ أكثرتِ من الأرز لكان أشهى.
قامت الزوجة بعد أن أُحبطت وبعدما ندمت أشد الندم .استعاذت من الشيطان وهي غضابة عن جفاء الزوج ولو بكلمة طيبة وهي وهي من الصباح للمساء كانت مشغولة في الطبخ والتجهيز لاستقبال الزوج فتركته وقلت تصبح على خير ودخلت لتنام لتستقبل يومًا جديدًا من التعب والإرهاق وهي تردد في نفسها: في فترة الخطوبة كان يمتدحني كثيرًا . . وكنت أعتقد أنها مبالغات فأطلب منه أن يكف عن ذلك . . أما الآن فأشتهي كلمة إطراء على فستان أو زينة أو حتى طبخة فلا أجد . . إلى الله المشتكى
تعليق:
ايها الزوج العزيز:
ماذا تخسر لو مدحتها ؟ ؟
أغلب الظن أن هذه الزوجة لن تقوم ببذل أي مجهود إضافي في البيت بعد الآن والسبب في ذلك أنها لم تسمع فالنفس البشرية مجبولة على حب الثناء من الناس . . سواء كان الثناء بسبب أو بغير سبب . . بحق أو بغير حق . .وكان هذا الثناء حافزًا لها على مزيد من الإنتاج والعطاء . . هذه الصفة عامة في الرجل والمرأة ولكنها عند المرأة أشد . . فهي في حاجة دائمًا لأن تكون في عينيْ زوجها أجمل النساء وأفتنهن . . وأن تكون أمهر النساء في شئون المنزل وأرتبهن وأميزهن عقلا و تفكيرًا وثقافةً وأنضجهن ولكن ليس ذلك كافيًا بالنسبة لها . . فأعظم من ذلك أن يمدحها الزوج على هذه الأمور وإن لم تكن فيها.
فلتمدحها على تنظيف المنزل وتجميله . . وعلى طبخها . . وعلى تنظيم مائدة الطعام . . وعلى ذوقها في اختيار الأزهار والشموع . . وعلى أناقتها واختيارها لألوان ملابسها . . إلى غير ذلك مما تقوم به المرأة . . بل واشكرها عليه.
قد تقول ايها الزوج لاشكر على واجب :
أقول: نعم . . يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( من لم يشكر الناس لم يشكر الله ). فشكرك الناس على الخير الذي قدموه لك نوع من حمد الله تعالى . . وزوجتك أولى الناس بالشكر . ومسالة اخرة هي ليس من واجب زوجتك شرعا ان تعد لك طعاما وتدير منزلا وانما هو فضل ومنّة منها على الازواج
ومن حقها ان تطلب الاجر او تطالب بمن يخدمها في البيت. واجب المرئة ان تكون انسانة وزوجة لاتقصر بحقك في حقوقك الانسانية والزوجية.
فزوجتك تصرف كل جهد متعة تتعب لإرضائك أكثر مما يتعب شخص آخر . . لذلك فهي أحق الناس بكلمة شكر أو مدح ترفع بها معنوياتها وتحفزها على طاعتك والقرب منك . . بل ومطلوب أيضًا أن تمدحها وتشكرها أمام الناس . . وهذا له أثر عظيم عليها . .
تعلم فن المدح ايها الزوج العزيز:
اولاً:المرأة بفطرتها تحب التفاصيل وتحب إذا تحدثَتْ هي عن أمر أن تخبر بكل دقائقه الظاهرة والباطنة . . وإذا تحدثتْ عن حادثة بعينها رأيتها تصف لك الأشخاص كما لو كانوا حاضرين أمامك . . بملابسهم التي كانوا يلبسونها . . وتعبيرات وجوهه. تعليقات كل منهم على الحادثة . . وتجتهد في ذكر كل الكلمات التي وردت أثناء محادثتها مع شقيقتها أو صديقتها . . ووصف الفستان الذي رأته في أحد المحلات حال رجوعها إلى المنزل بكل ما فيه من نوع القماش إلى نوع التفصيل إلى درجة اللون . . فكذلك كن أنت إذا مدحت . . امدح فعلها بتفاصيله.
فإذا طبخت لك طعامًا فامدحها عامة . . ثم امدح ضبطها للملح فيه . . وامدح النضج الكامل له . . وامدح الخبز الساخن . . وامدح تنظيم المائدة . . وامدح مفرش المائدة . وإذا لبست ثوبًا فامدح الإنسانه التي تزيده الثيابُ المتنوعةُ جمالاً على جمال . . وامدح اختيار الألوان . . وامدح التطريزات التي في الثوب وامدح الرسوم التي عليه . . وامدح التناسق في الهيئة والألوان . . وهكذا.
من عادة الرجال أنهم يعبرون عما بداخلهم من مشاعر بالأفعال لا بالأقوال . . فإن كان معجبًا بالطعام أتى عليه إلى آخره . . وإن أحب زوجته فإنه يعبر عن هذا الحب بالعلاقة الحميمة . . إلى غير ذلك . . ولكن المرأة غير ذلك . .
وعلى الزوج أن ينظر ما الذي يناسب طبيعة المرأة ليفعله . . فإن الكلمة الطيبة تأسرها . . والمدح على ما تقوم به يرفع من روحها المعنوية . . ويُعلي همتها إلى السحاب . . لتفعل كل ما يطلبه منها الزوج فتعلّم فن المدح.
ثانيا:امدحها أمام الأقارب
من أعظم الأمور عند المرأة أن تمدحها أمام أقاربها . . خاصة أمام أبيها وأمها كأن تقول – رغم أنك تعاني من سوء طعامها - ابنتكم طباخة ممتازة . . أو أن تقول – وأنت تذوق الأمرّين من سوء تدبيرها المنزلي - إنها منظمة كالساعة . . أو قولك – وأنت تنام على جمر كثرة نومها - إنها نشيطة كالفراشة . . وتأكّد أنها - بمرور الوقت مادمت أنت مراعيًا لنفسيتها أمام أهلها – أنها ستُصلح من نفسها. هذا على افتراض أنها لا تحسن فعل كل ذلك . . فما بالك إن كانت من الماهرات في شئون المنزل وتنظيم البيت والطبخ وسلامة لسانها من القبائح وطاعتها لك ولله تعالى . . فستستحق بالتأكيد مدحا أكثر.
أقول في النهاية أيها الأزواج . . تعلموا من علي بن أي طالب ( ع ) حينما وصف ثغر زوجته فاطمة الزهراء . . ومَدَحَهُ متغزلاً قال:
قد فُزت ياعودَ الأراكِ بثغرهـا أما خِفتَ يا عودَ الأراكِ أراكَ
لو كُنتَ من أهل القتالِ قَتلـتكَ ما فـاز مني يا سِواكُ سِواكَ
أيها الازواج الكرامزز. تعلموا فن . . المدائح النسوية . . ولا تجعلوا بيوتكم خرابا خاليا من العواطف البشرية . . وصلي اللهم على محمد وعلى آله وسلم تسليما كتيرا