يانصيب .. يانصيب

يانصيب .. يانصيب !!

من كتاب عالم مجنون مجنون

د. محسن الصفار

 سعيد  موظف في إحدى الدوائر الحكومية  في منتصف عمره متزوج وله ولدان  وبنت لا يؤمن بالحظ ويحاول أن يعيش كل يوم بيومه ويوفر على نفسه وجع الرأس ويردد لنفسه دائماً أنه كلما قلت طموحات الإنسان كلما قلت خيبة أمله!!.

ولكن في هذا اليوم وبينما هو في محطة الباص بإنتظار أن يركبه عائداً الى بيته بعد نهاية الدوام إقتربت منه إمرأة عجوز وقالت:

- يا نصيب، يا نصيب.

لم يلتفت إليها سعيد لأنه لا يؤمن أصلاً باليانصيب ويعتبره نوعاً من الخداع لإبتزاز أموال الناس.

عادت المرأة لتقول:

- يا نصيب يا ابني السحب بكره على مليون دولار!!

- أنا لا أؤمن باليانصيب.

- ولا أنا!! ولكني يجب أن أعيش وان أكل وأدفع الإيجار!!

- أليس من طريقة أخرى لكسب النقود غير بيع أوراق اليانصيب ؟

أجابت العجوز بإستهزاء:

- والله عرضوا عليّ منصب وزاري في الحكومة الحالية ولكنني رفضته!! يا ابني في اي بلد تعيش انت؟ الشباب مع شهاداتهم الجامعية لا يجدون وظائف أو عمل تريد من عجوز مثلي أن تجد عملاً؟

خجل سعيد من نفسه وقرر شراء ورقة يا نصيب فقط كنوع من الإعتذار للعجوز شكرته العجوز وقالت:

- تعيش يا ابني وإن شاء الله تكسب !

- لا ليس لدي أمل بذلك فحتى لو كان هذا اليانصيب حقيقياً فأنا إنسان حظي ليس أحسن من حظ دب قطبي وضعوه في حديقة حيوانات في الهند!!

لم تفهم العجوز شيئاً مما قاله عن الدب القطبي وإستمرت في طريقها وهي تنادي:

 - يانصيب يا نصيب بكره السحب مليون دولار!!

وضع سعيد الورقة في جيبه وفي البيت تغدى وأخذ قيلولة بعد الظهر وفي نومه حلم بأنه قد فاز بجائزة المليون دولار في اليانصيب، نهض من النوم وحكى لزوجته عن قصة الورقة وعن الحلم، إستبشرت الزوجة وقالت له:

- الله يبشرك بالخير يا سعيد الحمد لله فرجت من أوسع أبوابها!!

- يا حبيبتي وين فرجت؟ لم نفز بشيء بعد !!

- أنا قلبي حاسس أننا سنفوز وسنصبح من الأغنياء وسيكون لدينا فيلا وسيارة مرسيدس وسأشتري الذهب والألماس وسنصيف في فرنسا!!

- مهلك يا إمرأة أرى أن أحلامك قد كبرت قبل أن نفوز بأي شيء.

- إن شاء الله إن شاء الله

- لا تقولي أي شيء عن هذا الموضوع لأي أحد لا أريد أن يشمت بنا أحد إذا لم نفز.

- إن شاء الله لن يشمت بنا أحد.

 خرج أبو أحمد الى المقهى وشرب الشاي مع أصحابه وعاد الى البيت وقبل أن يصل الى البيت إستقبله جاره وليد ببشاشة غير معهودة وقال:

- أهلين أخي سعيد منوّر كيف الأحوال؟

- الحمد لله

- أريد أن أدعوك أنت وعائلتك على الغذاء يوم الجمعة ما رأيك؟

- والمناسبة؟

- لا شيء هل يجب أن تكون هناك مناسبة كي أدعو جاري العزيز على الغذاء؟

- يا أخي أنت لا تطيقني ولا تطيق عائلتي ويومياً تعمل مشاكل بسبب صراخ الأولاد ولعبهم أمام بيتك !!

- أنا ؟!! يا حبيبي أنا أحب أولادك مثل أولادي وبعدين أين سيلعب الأولاد إذا لم يكن هناك أي ملاعب مخصصة لهم؟ ولكن ان شاء الله فرجت وستسجلهم في ارقى نادي في البلد والبركة طبعا بورقة اليانصيب !تلعثم سعيد لدى سماعه كلمة يانصيب وقال على عجل :

- طيب.. طيب, أستأذن وسأفكر بعد أن أسأل أم الأولاد !!

- الله معك ويحفظك ياجاري ياحبيبي!!

دخل سعيد الى البيت متعجبا من معرفة جاره بموضوع ورقة اليانصيب  فرأى رجالاً عدة يركبون الستائر الجديدة وينقلون الأثاث تعجب من ذلك وسأل احدهم:

- مرحباً ماذا تفعلون؟

- نركب الستائر والأرضية والأثاث يعني  نقوم بتغيير كامل للديكور في البيت

- ومن طلب منكم ذلك؟

- زوجة حضرتك.

إستشاط سعيد غضباً وقال:

- قصدك التي ستكون قريباً زوجتي السابقة !!

- والله سابقة لاحقة لا شأن لي بذلك تفضل هذه الفاتورة!

نظر سعيد الى الفاتورة وتصاعد الدخان من رأسه عندما رأى المبلغ:

- عشرين ألف دولار؟!! خاف الله أنا إشتريت البيت بأرخص من هذا المبلغ

- الله يرحم أيام زمان ايه بس وقتها كان لديك شعر أيضاً وقهقه وقهقه معه العمّال الآخرين

- ومن أين سأدفع لكم 20 ألف دولار؟

- البركة في ورقة اليانصيب يا أستاذ ومبروك مقدماً

جنّ سعيد ودخل المطبخ وخاطب زوجته غاضباً وبصوت عال:

- هل جننت يا إمرأة؟ من أين سندفع 20 ألف دولار للديكور؟ ولماذا نغير الديكور؟ هل أصبحت وزيراً دون أن أعلم؟ وكيف عرف جاري و العامل بموضوع ورقة اليانصيب؟

- إخفض صوتك عيب أمام الناس , الحق ليس عليك بل عليّ أنا التي أريد أن أحفظ ماء وجهك عندما تفوز بالمليون دولار !!!

- ولكني لم أفز بقرش واحد حتى الآن وماذا إذا لم نفز من أين سندفع؟

-لا تكن متشائماً إن شاء الله ستفوز أنا قلبي مطمئن

- قلبك مطمئن؟!! والله أنا اللي شكلي سوف أبيع كليتي وكبدي لتسديد هذه الديون

- سلامتك وبعد الشر عنك على فكرة أختي وزوجها جايين عندنا على العشاء الليلة

- أختك وزوجها المغرور؟ الذي يقيس كل البشر بمقدار مالهم ويقول أن هامان لو كان اليوم حياً كان سيصبح أهم شخصية إقتصادية في العالم العربي ؟!!

- نعم

- والمناسبة؟

 - لا شيء زيارة عائلية

جلس سعيد على الأريكة الى جانب إبنه الكبير وتفرج على التلفزيون عندما لاحظ قنوات جديدة فيه لم يعهدها سابقاً فسأل إبنه:

- ماهذه القنوات يا ابني؟ هل قررت وزارة الإعلام أخيراً أن تحسن من مستوى التلفزيون الحكومي بعد إن إشتكى الناس لسنين من تفاهته وضعف مستواه ؟

- أي تلفزيون حكومي يا بابا؟ سلامة نظرك هل رأيت في هذه القنوات ودع فخامته ....وإستقبل فخامته ؟

- لا !!

- هذه قنوات مشفرة مدفوعة تم وصلها لنا اليوم!

- ماذا؟ قنوات مدفوعة؟ كيف ومن طلبها؟

- ماما

- ومن أين سأدفع إشتراكها الشهري الذي هو يعادل نصف راتبي؟

- البركة في ورقة اليانصيب يا بابا !!

- لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم على هاليوم

رنّ جرس الباب فركض إبنه الأوسط الى الباب ولحقت به إبنته الصغيرة وما هي إلا دقائق حتى سمع صوت شجارهما وعراكهما اسرع الى خارج البيت ووجدهما يشدان شعر بعضهما فرقهما بصعوبة  وقال:

- ما لكم تتعاركون هكذا وكأنكم نواب في جلسة برلمان علنية ؟

أجاب إبنه بسرعة:

- أنا سأجلس الى جانبك في السيارة يا بابا!!

قاطعته إبنته

- لا أنا سأجلس الى جواره

أبعدهما سعيد عن بعضهما وقال

- أي سيارة يا مجانين؟ أنا لا املك حتى دراجة

وهنا جاء رجل أنيق مبتسماً سلم وقال:

- الأستاذ سعيد؟

- نعم أي خدمة؟

- مبروك هذه سيارتك المرسيدس الجديدة كاملة المواصفات

- الكمال لله وحده

- ونعم بالله !ولكن هذه السيارة ذات مواصفات استثنائية

- جميل ولكنك غلطان في العنوان فهذه السيارة أكيد لوزير أو رجل أعمال

- لا لا لحضرتك والمدام طلبتها كاملة المواصفات واحنا قدمنا لك خصم ممتاز في السعر

- والله؟ وكم سعرها؟

- بعد الخصم 120 ألف دولار فقط !!

- ومن أين سأدفع لك هذا المبلغ الذي يعادل راتبي لعشرين سنة؟

- ولو !! البركة في ورقة اليانصيب يا أستاذ

في المساء رنً جرس الباب فدخلت اخت زوجته وزوجها البدين الذي مرر كرشه عبر الباب بصعوبة وهو يقهقه وجلس الجميع على الأثاث الجديد وبادر زوج الأخت بالقول:

- أنت تعرف يا سعيد أن الأسهم هي أفضل إستثمار هذه الأيام

- أفضل إستثمار؟!! الم يؤدي سقوط الأسهم وإنهيار البورصات الى إفلاس الكثيرين حتى أن بعضهم إنتحر؟!!

- لا لا لا هذه بورصات فاشلة أنا إشتريت لك اليوم أسهم مشروع جديد ناجح ميه بالميه بقيمة 100 ألف دولار

- الله لا يعطيك عافية!! ومن طلب منك أن تشتري لي أسهم؟

- زوجتك طلبت من أختها نصيحة حول أفضل سبل لإستثمار السيولة الزائدة عندك!!

 - سيولة زائدة؟!! أنا حتى الزائدة الدودية اللي عند كل الناس غير موجودة عندي من أين سأدفع لك 100 ألف دولار؟

- ولو البركة في ورقة اليانصيب !!

 أوى سعيد الى الفراش تلك الليلة مرعوباً وهو يفكر بالفواتير بينما نامت زوجته وأبناءه سعداء يحلمون بطرق جديدة لصرف المليون دولار التي فاز بها أبوهم.

في الصباح نهض مسرعاً وذهب الى العمل جلس على مكتبه شارد الذهن ينظر الى الساعة حتى يفتح الراديو ليسمع نتائج سحب اليانصيب وأخيراً حلت الساعة الموعودة وسمع صوت المذيع يعلن الورقة الفائزة

-  الأرقام  ستة نظر فوجد الرقم ستة عنده دق قلبه الرقم الثاني 9 نظر فوجد تسعة عنده إزداد هيجانه وتوالت الأرقام وسعيد يزيد هيجاناً حتى جاء الرقم الأخير وقال المذيع 7 نظر سعيد فرأى الرقم الأخير هو 8 كاد أن يغمى عليه من الصدمة بفارق رقم واحد خسر الجائزة الكبرى مليون دولار!!!

عاد الى البيت كسير الخاطر فرأى سيارة شرطة أمام باب البيت وعامل الديكور ومندوب شركة السيارات ومندوب شركة القنوات الفضائية وزوج أخت زوجته واقفين امام الباب والشرر يتطاير من اعينهم سلّم عليهم وقال:

- خير فيه شي؟

أجابه الضابط

 - أنت سعيد؟

- نعم

- تفضل معنا على المخفر في عليك شكاوي من الأساتذة بأنك إشتريت سيارة وأسهم وأغراض بدون دفع ثمنها !!

أُقتيد سعيد الى المخفر حيث بات الليلة في السجن وتم ترحيله في الصباح الى النيابة العامة حيث واجه وكيل النيابة الذي خاطبه

- سأفرج عنك بكفالة قدرها نصف مليون دولار أمريكي!!

- ولكن يا سيادة الوكيل من أين لي بنصف مليون دولار امريكي؟ انا ما معي ولا حتى نصف مليون دولار موزمبيقي !! لو كان عندي هذا المبلغ كنت سددت ديوني ولم أقف أمامك مكبلاً كالمجرمين !

إبتسم وكيل النيابة وقال:

- ولو البركة في ورقة اليانصيب يا أستاذ سعيد !!!!!

وكل يا نصيب وأنتم بخير.