للنساء فقط
عبد الكريم عليان
عضو صالون القلم الفلسطيني
[email protected]
جاءتني مرة تسأل عن كتاب في التربية.. لا أعرف كيف استدلت إليّ.. لنساء الحارة التي
أسكنها أسرارهن.. لم أكن أعرفها من قبل، ساعدتها فيما أرادت، طلبت مني أن لا أنزعج
إذا كررت الزيارة..! اطمأنت كثيرا لحضور زوجتي وزادها ذلك من أن تتخطى اللعثمة في
الحديث، زاح لديها كثير من الخجل الأنثوي في مجتمعنا.. انفتحت في الحديث كأنها لم
تتكلم من قبل، أو أنها وجدت شيئا مفقودا لديها، كانت تبحث عنه منذ زمن طويل.. كنت
أشعر أنها تريد أن تهجم علي لتأخذ مني ما تريده دفعة واحدة.. أخذت تلقي علي أسئلتها
كالمطر الغزير لدرجة لم أستطع فيها تلقي الأسئلة؟ كانت تضيع الإجابة مع كل سؤال
جديد.. فجيعتي كانت بأنني لم أكن أفكر بالإجابة على أسئلتها بقدر ما كنت أفكر
بظروفها وبواقع المرأة في مجتمعنا.. أعرتها بعض الكتب التربوية وشيء في البحث
العلمي ربما تساعدها في منالها..؟
في
المرة الثانية باغتتني على مائدة الغداء.. طلبت منها أن تتناول الطعام معي، رفضت في
بادئ الأمر نظرا لأنها تلبس القناع، حيث أنني لم أر وجهها في المرة الأولى إذ كانت
تحدثني من خلف قناعها المزيف..! قررت أن أطلب منها: أن تخلع القناع، أو لا تأتي مرة
أخرى إلي.. فخلعت قناعها على الفور وهجمت تتناول الغداء كأنها واحدة من أفراد
البيت.. يا الله! التهمت الطعام كأنها لم تأكل من قبل.. يبدو أنها كانت جائعة ؟!
انتهينا من تناول الغداء.. جلست بأريحية فيها سعادة كبيرة، بدأ يشع نور ساحر من
وجهها المشرق، بان جمالها الأخاذ ليملأ غرفتي سحرا عجيبا.. عادت تطرح أسئلتها التي
تدور حول موضوع في التربية حيث كانت أطروحتها لرسالة الماجستير.. هي كانت تسأل في
التربية، وأنا كنت أسألها عن أحوالها الاجتماعية..؟
فائقة الجمال.. على درجة من العلم والأخلاق.. متزوجة من عامل بسيط، منحها إجازة عند
أهلها الذين يسكنون في حارتنا كي تتفرغ للدراسة.. كانت تأتي إلي متسللة حيث لا يعلم
أهلها الذين يعرفونني.. أهلها جد محافظين إلى درجة الجنون والخوف المرعب من نسمات
الهواء على بناتهن كما يقولون.. إذ لا أحد من الجيران يعرف بوجودهن..؟ وكما عرفت
مؤخرا أن ربهن يوصد باب غرفتهن داخل البيت.. لا يعرفن سوى المدرسة، لا يشاهدن
التلفزيون ولا أعرف إن كن يتناولن الحديث مع والديهما أو أخوانهن من الذكور، أم
لا..؟ كن ثلاثة، اثنتان في الثانوية وهذه المتزوجة.. وأربعة شبان تزوج أحدهم
مؤخرا.. لا أحد منهم أنهى تعليمه الثانوي..
تكررت زياراتها لي حتى أكملت رسالتها.. وجهت لي دعوة لحضور مناقشة رسالتها في
الجامعة، حضرت المناقشة بصحبة زوجتي التي كانت تعطف عليها وتساعدها بدرجة كبيرة
والتي تفهمت ظروفها.. حضورنا أثار الدهشة لدى أهلها الذين كانوا يعدون بوفيه
النجاح.. انتهى النقاش ومنحتها الجامعة إجازة الماجستير مع مرتبة الشرف. تناولنا
حلو النجاح.. باركت لها ولأهلها بهذا النجاح الباهر.. عدت مسرورا للبيت كأنني أنجزت
هدفا كان صعب المنال..!
في
أثناء غيابها عن زوجها، كان هذا الحقير قد تزوج من أخرى، يبدو أن الزواج قد تم يوم
نيلها الشهادة..؟ مسكينة فرحتها لم تتم..! لا أعرف ماذا جرى لها؟ إذ لم تعد
تزورني.. ولا أعرف إن كان تغير سلوكها، وهل امتلكت جرأة جديدة في حياتها كما امتلكت
إجازة الماجستير؟ أم أن المرأة في مجتمعنا لا تغيرها شهادة عليا..؟ كان عليها أن
تتعلم الفروسية والقتال حتى تستطيع أن تحقق ذاتها وتنال حقوقها.. في غابة أدغالها
كثيفة، لا أحد يمكنه كشف مكنوناتها العجيبة الخارجة عن كل تنظيم..!
بعد
وقت طويل.. كنت قد نسيت أمرها، فتحت باب بيتي دون استئذان وهجمت على غرفتي تبكي..
كانت في حالة رثة.. علامات الضرب ظاهرة على جسدها الممشوق، شعرها المنفوش غير مرتب
وامتص الدم النازف من جرح في رأسها.. أخذتها زوجتي لتضمد جراحها وتهدئ من روعها.!
طرق باب بيتي وإذ بأخويها واقفان دون أن ينبس أحدهما بنبت شفه! دعوتهما للدخول،
جلسا وسمعا مني ما يتأسفان عليه.. تأسفا واستأذناني بأخذ أختهما المكسورة الجناح..
ووعدا بأن لا يتكرر هذا الفعل..
مضى
وقت طويل دون أن أراها ، ولا أعرف ما جرى لها..؟ ولا أعرف إن كانت حية ترزق..؟
تذكرت تلك الفتاة المناضلة التي قالت لي يوما: سنبقى نناضل حتى نحقق المساواة
الكاملة مع الرجل..!