فتح الحيرة

من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم

فتح الحيرة

عبد الودود يوسف

مقدمة القصة مفقودة

ذات يوم جلس الرسول صلى الله عليه و سلم مع المؤمنين ، يحدثهم عن الانتصارات العظيمة التي سيحققونها ، و عن البلاد التي سيفتحونها ، قال : (( إنكم ستفتحون مدينة الحيرة ذات القصور البيضاء العالية ، و أول من سترونه فيها عندما تفتح لكم أبوابُها إمرأة اسمها الشيماء بنت بُقيلة تركب على بغلة شهباء اللون ، و تلف رأسها بخمار أسود )) .

رفع رجل بدوي بسيط اسمه خريم بن أوس رأسه بحياء و قال : يا رسول الله أأكون أنا مع الجيش الذي يفتح الحيرة ؟ أجابه الرسول صلى الله عليه و سلم : (( نعم يا خريم )) ، فأسرع خريم يقول : و أسيرة من ستكون الشيماء ؟ فابتسم الرسول صلى الله عليه و سلم قائلاً : هي أسيرتك يا خريم ، فطار خريم فرحاً ، ثم قال : يا رسول الله أرجو أن تكتب لي هذا الكلام ، فابتسم الرسول صلى الله عليه و سلم مرة ثانية و أمر أحد الكُتَّاب أن يكتب على قطعة من جلد غزال : (( هذا ما وعد به محمد رسول الله صلى الله عليه و سلم الأعرابي خريم بن أوس ، أنه عندما يفتح الله مدينة الحيرة على المسلمين و يدخلونها ، يكون أول من يقابلهم فيها الشيماء بنت بُقيلة ، تركب على بغلة شهباء ، و تضع على رأسها خماراً أسود ، و هي أسيرة خريم )) .

 فرح خريم بهذا الوعد فرحاً عظيماً ، و عندما عاد إلى داره وضع الكتاب في جيبه و خاط الجيب و هو يحدث نفسه : إن هذه البشارة بفتح الحيرة هي من معجزات رسولنا محمد صلى الله عليه و سلم التي ستحدث حتماً ، و عندما أحصل على هذه الأسيرة بعد فتح الحيرة سأبيعها بالمال الكثير إن شاء الله ، و سأشتري بالمال فرساً و سلاحاً كي أجاهد في سبيل الله ، حتى لا يبقى في الأرض مظلوم ، أو أموت شهيداً فأدخل الجنة .

و مضت الأعوام ، و توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فحزن المسلمون ، لكنهم تابعوا طريقه في الجهاد لرفع الظلم عن الناس و نشر دين الله في الأرض ، و وصل جيش المسلمين إلى مدينة الحيرة فحاصرها ، و في ذلك الجيش كان الأعرابي خريم ينتظر الوعد و يحدث جنود المسلمين عنه .

و داخل أسوار الحيرة كان الأمير عبد المسيح يستعد للحرب ، و كانت أخته الأميرة الشيماء تجهز نفسها للقتال أيضاً ، لكن أصوات التكبير التي خرجت من حناجر و قلوب المسلمين أشعرت أهل الحيرة بالرعب ، فقال الأمير عبد المسيح : لا بد لنا من طلب الصلح مع المسلمين ، لن نتمكن من قتالهم . هجمت الشيماء على أخيها و هي تصرخ : لماذا الصلح يا عبد المسيح ؟ هل جننت ؟ سأحارب وحدي . و أخذت الشيماء سيف أخيها و رفعت راية الحيرة السوداء و ركبت بغلتها الشهباء و خرجت لتلاقي جموع المسلمين ، عندما اقتربت من باب الحصن رأت الفلاحين الذين كانت تستعبدهم في أراضيها يكبِّرون و يفتحون الأبواب لجيش المسلمين ، شعرت بالرعب ، فألقت سيفها ، و أخذت راية الحصن السوداء و لفتها حول رأسها لتخفي بها وجهها ، و فُتِحَ الباب ، و دهشت عندما سمعت المسلمين يصيحون : هذه الشيماء .. الله أكبر .. هذه الشيماء .. تركب على بغلتها الشهباء .. و هذا خمارها الأسود .. الله أكبر .. الله أكبر صدق رسولنا محمد صلى الله عليه و سلم .. هذه معجزة جديدة تتحقق . و فجأةً شاهدت الشيماء رجلاً يشق الصفوف و يمسك برأس بغلتها و يصرخ : هذه الشيماء لي .. هذه التي وعدني بها رسول الله صلى الله عليه و سلم . و رفع خريم قطعة جلد الغزال ليراها كل أفراد جيش المسلمين ، فأمسكها أحد الجنود و قرأ ما فيها بصوت عال فبكى المسلمون ، و بكت معهم الشيماء حين ذكر اسمها ، و بكى معها عبد المسيح أخوها . قاد خريم البغلة الشهباء و أسيرته الشيماء و هو لا يكاد يصدق ، تارة ينظر إلى بغلتها ؛ البغلة شهباء حقاً ، و تارة أخرى ينظر إلى خمارها ؛ الخمار أسود حقاً ، و بين أصوات التهليل و التكبير اقترب عبد المسيح من خريم و قال له : أتبيع الشيماء و بغلتها الشهباء ؟ قال خريم : نعم أبيعها .. لكن ليس بأقل من عشر مائة

و ردد عبد المسيح : عشر مائة ؟ .. تقصد ألف درهم ؟ نعم اشتريتها منك بهذا الثمن ... و سلم المبلغ لخريم ، و عاد الأمير عبد المسيح بأخته الشيماء التي أعلنت إسلامها . ضحك المسلمون من خريم و قالوا له : لقد بعت الشيماء بثمن قليل ، لو طلبت بها مائة ألف درهم لأعطاك . دهش خريم دهشة بالغة ، ثم قال في سذاجة البدوي الطيب البسيط : و هل هناك

عدد أكبر من العشر مائة ؟!!! و لم يبق أحد من المسلمين إلا و ضحك من كلام خريم.