صديقة الفيسبوك

د. أسعد أحمد السعود

صديقة الفيسبوك

د. أسعد أحمد السعود

خلت أيام قفراء ،لا هسيس أسمعه فيها ، ولانسيس كريم، أشم منه رائحة عطر افترضه

يأتيني عبر السحاب الالكتروني، فيبعث في دفقة نشوة وهمية ، يستيقظ معها أمل مكون

من ابتسامة  ،ومن ضغطة زر (اللابتوب )، ومن عين متقدة كعين (فوكس) تتأكدت من موضع فريستها ،فتتأهب  للانقضاض عليها  .

ثلاثة محفزات كانت تواكب جلسات (الاندماج اللابتوبي ) الليلي كل حين وحين  . وها هي تنتهي  بجلسات انفرادية كئيبة  ، تمر كأنما تقضي فترة حكم قضائي غير عادل ،هجرتها كل ألوان التحفيز تلك .   صويحباتي الثلاث وما يأ تلف معها ،من قهوة وشاي وبسكويت ومكسرات ،كل هذا العالم الاحتفالي اليومي وشبه اليومي انقضى فجأ ة ، وحلت الأيام القفرمحلها ،فجدبت الساعات  فاستطالت ثوانيها وتمطت دقائقها ،واصبحت بين قفزاتها شقوق وأخاديد ، وانتثرت على أسطحها أغشية رملية تتماوج في تقلبها الحزين مع أزيز  رياح متربصة ناقمة .

أكاد أجزم أن صديقتي ( نارالبادية )قد طوت صفحتها(الفيسبوكية) ، وهجرت ساحات  الرأي المستنير،وألقت بمنابر الخلان والدردشةالوردية ، في صراع الحيرة واللوم الخجول،ضاربة ببند الاستئذان الديمقراطي بعرض الهروب المفاجئ ، وكأن ما زرعته بوقت قصير، وما هيكلته من مشاعر كان  بمثابة مؤامرة استكشافية في أحد القطبين المتجمدين تم ذاب في أول هبوب لرياح شاردة دافئة !.

كل الأصدقاءحاولوا في جانبي ،وحاولوا ملئ ( الفراغ) الذي ادعيته ومنهم :

(فارس الفرسان ، ساندريللا ذات الحذاء المفقود ، وردة الينبوع ، قاهر الاحرف ،

سنابك الخيل البرية ، حوراء الجنان ،وكذلك مغرد المعلقة الفريدة ...! ) أجزموا أن ثوابتي قد اهتزت ، وعواطفي تعكرت بل اقتربت من الهزيمة  في أول جولة .

خانني الحياء وأنا في ذروة قسوتي ، أن أبوح لهم عن سبب هبوب رياح الخماسين في غير موسمها ، فقد كانوا أكتر جرأة مني ، حين تبادلوا مناوبتهم باعلانهم عن تأثرهم بتلك الرياح .

أسمع صياح الد يكة ولا زلت أبسط أطراف ثوبي على أرصفة الشوق والتنهيدة ، بانتظار يائس لحزمة شاردة صاحية في شقائق الفجر ، أضمأها الشوق مثلي ، فغالبت حيا ؤها وقررت رمي صدقة تائهة أسد بها رمقي ،فأعود أدراجي لأنام حائزا دنياي في سبات زائف جلف ، لايرد فيه السلام الا باشهار سيف الأنا المتسلطة .

أشار علي( قاهرالأحرف ) بعد ابداء ديباجة استسلامه التقليدي لمقدمة ميثاق التداول (الفيسبوكي )، أن أغلق صفحة صداقتها ، واقطع وشائج الأرواح ، وأرمي كل ماكان

في أرشيفها في سلة المهملات الانفصالية عن الازمنة الالكترونية ، ولا أحسب في لحظة من لحظات الافتراض ،أن السلال في أي من تلك الازمنة تتشابه في مهماتها أبدا، وخاصة هذه التي تركن بهدوء قاتل ، تحت طاولة (اللابتوب) منذ زمن لاتاريخ محدد لبدايته  ولا لنهايته ، فأراها قد عقدت صفقة الحياة الحديثة معي ، حتى أدخلتني بمواصفات منابر الصراحة الغريبة ، والرأي الشقي الوليد ،في صفحات التواصل السحابية الافتراضية ، ولست أدري الى زمن هذه الحالة الجدباء ، ان كانت بعضها تعود بحجة ملكيتها لعجائزممن تخطوا صراع الألقاب البنفسجية ، الى استباحة الادعاء

بحمل كروموزومات العودة للروح الزئبقية ، بكل افتخار وشقاوة  !.

أذهلني هذا الرأي الديمقراطي العنيف ، ذلك لأنه ولا زلت أعيش ترجمة أبعاد ماترمي اليه معاني استشارته ، قد يسبب جرحا لاينزف منه دما بشريا وجدانيا ، وانما يسبب وفي أسوأ تداعياته ، اعدام رقم مبايل ، وتغيير فقرات عمود ( البسوورد) ،ومحصلته تكون قد قمت بتكسير المجاديف وأبقيت على القارب اليتيم الوحيد راسيا بانتظار طا لب آخر  للابحار أو العبور لا فرق ..!.

زاغت حدقات عيني وكنت أهم بفبركة ترجمة الاستشارة ( الفوكسية ) تلك ، افترست الأحرف المضطربة المنقوصة والزائدة ، و بومضة قرأتها :

نارالبادية....!!.

وأعدت المفاجأة بكتابة اسمها.

نار البادية.....  !!!؟

أجابت من فورها .

-عدت الليلة ليس من أجل الاستهلال والاعتلال وتقديم أسباب الدلال  : !!.

عدت من أجل رفع و نشر أشرعة الوداع  : !!!.

استعرت النار وتأجج أوارها

ارتفعت الحرارة  ثم انخفضت

لكن خفقان قلبي ظل في تصاعد

وارتعاش أصابعي في تزايد...!

كتبت كلمات اخترقت كل حواجز قواعد وانضباط الحوار،فألفيت أحرفي تتجمع في كلمات تتقافز الى خارج حياء  تقدير  ردود الفعل الشخصي غير متردد :

-أريد أن أقابلك كيفما كان  ،وكيفما سيكون، ولو كنت في بلاد الواق واق ..!

-لماذا ؟

-لأنهي معاناة حياة أضنتها المشاكل العا ئلية !!.

-غريب هذا الذي تقوله وتعترف به !.

-كيف !.

-كنت لتوي أعالج مشكلتي العائلية !.

-اذا سنتساعد سوية ، ونعقد اتفاقا نتخطى به كل حواجز المشاكل .

- وهل نحن في سباق ماراثون !.

-نعم سيدة  نار البادية، أنت ناري وأنا حطبك .

-على مهلك ( سيد الدجى )سأودعك سرا  !.

-وماهو !.

-لقد طردني زوجي  من البيت مع أولادي.

-وبعد ؟!.

-استشرت صديقة وفية ومخلصة لي .

-وبم أشا رت عليك هذه الوفية ؟.

-أن أرفع شكواي للشرطة الجنائية ، وقد فعلت .

- ولماذا الشرطة وليس غيرهم ، وبم أفادوك؟!.

- سأرجع الى بيتي مع أولادي ، وزوجي البطل  ستحتجزه الشرطةموقوفا عندها لبعض الوقت، لفعله الجنائي ،حتى تنتهي حيثيات الشكوى !!.

-غريب......!!.

كانت آخر كلمة استطعت كتابتها ،أقفلت كل شئ من فوري ، تناولت جهاز المبايل ، وأخذت ابحث باضطراب شديد في أرقام أعرفها جيدا بأسماء أصحابها ، لقد أصبحت الجناية جنايتان !!.