الهدف الضائع

اندفع بكل قوته التي استجمعها بلحظة

وجد فرصتة الذهبية لتسجيل هدفه المأمول

كان مثقلاً بالطموح ، مثقلاً بالهموم ،مثقلاً بالأحزان

أحس أنه تحول إلى كتلة صلبة متماسكة ، قذيفة مدفع ثقيل ، أو صاروخ أرض أرض ،

أو صاروخ طائرة همجية مدمر لايعرف غير هدفه  .

 من بين كل الذين يشاركونه والمتحمسين أوالممانعين الذين يقفون متربصين ويشكلون

سداً لإحباط أي حركة تصدر مته أو من غيره ، اقتنص فكرة الهجوم والإندفاع بومضة

خاطر مرت سريعة بذهنه المتوقد .

لم تختفي تلك الصور المفرحة والحزينة من أمام ناظريه ، لقد علقت وربما إلى الأبد ،

في خياله ، يوم أن قرر نقل احترافه  المميز بلعبة كرة القدم  ، من ملاعبها المسيّجة

 المأسورة حريتها بقيود الإستبداد والقهر ، إلى ساحات وشوارع مدينته  الفتية دير

الزور، الحالمة بالمجد المطمّر بالغار ، وكم كان فائض حلمه ينهمر كالشلاّل مندفعا

بكل عزيمة وثقة ، يمارس لعبة الحرية التي حرم منها طوال حياته ، لم يجد فارقاً بين

اللعبتين أبداً ، ذات الأجزاء وذات الكمال ، بأخلاقها وبأهدافها، بلاعبيها وبمشجعيها

،ولكن شيئاً ما كان أكثر وزناً وقيمة وحيوية ، يسري بخلايا جسده المشدود ، ولاينكفئ

، يدفعه إلى المزيد  والمزيد ، كان حلمه بالهدف الذهبي غايته  ، قريب منه هنا في

ملعبه الجديد ، كان قاب قوسين أو أدنى من تحقيقه ونيله الفخر بالفوز ، إنه  يراه

أمامه على بعد خطوات واثقة وقوية ، ينهيها في ركلة متزنة ، فيكون الهدف النبيل واقعاً .

كانت آلاف الحناجر البريئة الندية  تهتف من حوله ، بالروح بالدم نفديك ياسوريا ،

بالروح بالدم نفديك ياحرية ، لم يجد وقتاً للتردد ، ولم يجد فرصة التباطؤ ،

تضاعفت مهارته  ، وتضاعف إخلاصه ، تضاعف تعاونه مع كل أبناء فريقه ومدينته

، لاعبيها ومشجعيها ،غدوا جسما واحداً ، كتله حيوية مرنة مهولة متحركة  ، لايعتريها

فتور ولا تعب ولا ملل ، الهدف الذهبي الهدف الأسمى الحرية ، اندفاع بهجوم لارجعة

عنه أبداً  .

ها هو يدنومن المرمى أكثر، تملكه يقين أن المرمى هو الذي يتحرك إليه، لقد أفرد

شباكه وجاء إليه كأنه يرحب به، وأن مجاله أخذ يتسع ويتسع ، ليرتفع ويملأ الأفق كله 

تخيله كائن قريب يفتح كلتا يديه يرحب به ليضمّه ، لكن  الصورة كانت مستحيله

ونادره الحدوث في أرض الملاعب ، ذلك لخطورة هذه الفرصة ، ولشدة واستماتة

المدافعين عن شباك المرمى وكثافتهم  في هذه البقعة المحدودة ،التي تعد أرض حدود

أو أرض مقتلة وخسارة محققة للعدو . ولكنه الآن في أرض غريبة ، في ملعب غريب

جديد  ، في أرض الهجرة إلى وطن جديد .

وفجأة وهو في أوج اندفاعه وتوازنه ، لم يتبق  سوى أن تضرب قدمه اليمنى الكرة ،

وتنطلق سابحة طائرة في فضائها المكتوب  ،حرة كريمة إلى هدفها شباك الحرية في

 عناق تاريخي  سامي ، جاءت المفاجأة من مصوّرة  المباراة ، كانت تلاحقه خطوة

بخطوة ، وقفزة وراء قفزة ،تلتقط له كل ابداعاته ومهاراته ، تسجل له انفعالاته وتقاسيم

وجهه في صور فريدة لم تراها من قبل على كائن بشري مثل مايظهر عليه ، كانت

 مندهشة من إصراره العنيد وهو يضم مستقبله بين يديه وماضيه الكئيب المدمّى على

ظهره ، كان يتمتع بقوة رياضية عالية ، لقد تخطى كل الحواجز وكل دفاعات العدو ،

لم ييأس ولم يستسلم ، ومع كل ذلك حافظ على لياقته الجسمية الفذة وظل مندفعاً ،

ساورها شيطان الشهرة واقتناص الفرصة والحدث ، فحوّلت لحظه تسجيل الهدف

الذهبي إليها ، ولم يخطر ببالها أن مصوّراً آخراً خلفها كان يفعل الشيء ذاته   ، سرق

منها فرحتها الذهبية والتقط صورة ذكية لفعلتها المشؤومة ، كان مندفعاً إلى غايته

مطمئناً لها وهي تجاوره في اندفاعه ، لم يعلم أن قدمالصديقة المحايدة تحولت فجأة

 لعدو، عرقلت حركة قدماه فتعثروانكب بوجهه على الأرض مدمّى ، انها طلقة غادرة

من قنّاص كان متوارياًبإحدى الشرف العالية ، أوقذيفة هاون حاقدة  أطلقت على جموع

الناس وهم بأوج اندفاعهم لنيل هدفهم ،بالروح بالدم نفديك ياسوريا ، بالروح بالدم نفديك

ياحرية  .

     نهض من كبوته القسرية المتعمدة الثانية ، مثلما نهض وهرب من مقتلة جمهوره

هناك في مدينته ، انها الصورة ذاتها وإنه الهدف الذهبي ذاته الذي خرج من أجله

ليحققه ، أين مرمى الهدف الضائع  ؟ أين ملعبه الجديد الذي سيلعب به  لعبة الحرية ؟. 

  سيعيد تجميع كل الصور  .

سيبكي على صورة واحدة .

وسيفرح لصورة واحدة  .

  ولكن كيف هي صورة الحرية  .......!؟ .

                       ...................................

وسوم: 636