لن أكون

د. محمد أبوزيد الفقي

في مكان بعيد عن محطة قطارات القاهرة، كانت تعيش مجموعة من القطط والكلاب في مكان يسمي المخازن، كانوا يستريحون وينامون بالنهار، وبالليل يذهبون إلي أرصفة المحطة المتعددة، يبحثون عن قوتهم من بعض الطعام الذي تبقى من الركاب ، كانوا يقضون الليل بأكمله في طلب الرزق ، ثم يعودون إلي مكانهم في المخازن .

في هذا المكان وبين عربات القطارات القديمة ، نشأت قصة حب جميلة بين القطة مبروكة ، والقط مبروك ، كانت لحظات الحب بينهما تغسل الذل ، وقسوة الحياة ، وصعوبة البحث عن الرزق ، وذات ليلة وهما في المحطة اختل توازن القط مبروك فسقط على الشريط الحديدي، فدهسه القطار القادم من أسوان.

حدث هذا كله في لحظات أمام عيني حبيبته القطة مبروكة، ومن يومها عاشت القطة مبروكة حزينة، مات خيالها ، واسودت الدنيا حولها ، ولم يعد لها أمل إلا في الموت، حتى تلحق بحبيبها ، وتقابله في العالم الآخر ، حيث لا حزن ، ولا قهر ، ولا ظلم .

كانت القطة مبروكة تذهب إلي المحطة مع الكلاب ، والقطط للبحث عن الطعام ، ولكنها كانت تقضي وقتا طويلا عند المكان الذي مات فيه حبيبها مبروك ، وفي ليالي الشتاء البارد كانت تنتظر عند هذا المكان لعل مبروك يعود إليها، أو يظهر لها فجأة ، وظلت علي هذا الحال ، حتى أصيبت بمرض عضال ، وبعدها بعدة ليال ،أغمي عليها  قبيل الفجر، فسقطت علي شريط القطار مكان مبروك.

كان الكلب مشمش يبحث عن رزقه ، فرأي مبروكة نائمة علي شريط القطار ، والقطار قادم من ناحية الصعيد ، فذهب مسرعاً ليوقظ مبروكة قبل أن يدهسها القطار ، ولما وجدها لا تستجيب حملها مطبقاً بفمه علي ظهرها، ونقلها إلي حديقة صغيرة بجوار الرصيف.

كان أحد الركاب يشاهد ما يحدث، وكان لحسن الطالع طبيبا بيطريا ، فذهب إلي القطة ، وأخذها في كيس من البلاستيك ، وعالجها في بيته ، وكلما سألته زوجته عن سر الاهتمام بهذه القطة ، قال لها : لن أكون أقل إنسانية من الكلاب ؟!

ثم أنشد أمامها يقول:

عوى الذئب

آنست بالذئب

إذ عوى

وصوت إنسان

فكدت أطير.

وسوم: 637