سمير

 قابعون في حر الظهيرة الرهيب. الهواء ساكن ثقيل . ما من نسمة مفاجئة تحرك سكونه وتقلل شيئا من وطأة ثقله على نفوسهم المتقطعة رعبا وأجسادهم المرتعدة المتعرقة التي يربض فوقها شبح الموت . قتل حتى الآن اثنان ، ونجا أربعة . لم يمضِ لأي منهم أن رأى إنسانا يقتل ، يموت في ثوان زهيدة . الخوف الساحق يغرز مخالبه في كل جزيئة من كياناتهم . كيف حدث ما حدث ؟! قدر لم يتوقعه أحد منهم . أمة سحقت في ساعات .

 ويعود الصوت بعربيته الثقيلة السمجة : أنت ! قم !

 ويقوم من أمره الضابط الإسرائيلي . وفي ما يشبه الغيبوبة المظلمة المطبقة يسمع : امشِ !

 فيمشي . وتسمع من الضابط كلمة عبرية تعقبها دفقة رصاص ، ويهوي من مشى آخر مشية في حياته دجاجة ذبيحة . عرف الضابط من مشيته ، أو هكذا قدر ، أنه كان جنديا في جيش التحرير الفلسطيني رغم محاولته ابتكار مشية تنكر انتماءه لذلك الجيش .

 صار القتلى ثلاثة . يرج الرعب نفوس الجالسين ينتظرون القتل أو النجاة ، الموت أو الحياة . سمير في الثانية والعشرين . قوي البدن حديدي العضلات . حاز تلك العضلات من عمله في الحدادة . ما أغرب ما يجري وأفظعه ! الأحد العابر ، مثل اليوم عصريةً، كان في المقهى يتحدث مع الأصدقاء عن أزوف العودة . حديثهم يفيض ثقة في حتمية النصر في الحرب الوشيكة . سيعودون إلى قرى ومدن ومناطق أخرجوا منها صغارا مع أهلهم ، وبعضهم ولد بعيدا عنها في المخيم . من أين دهتهم الهزيمة الطامة ؟! وجه امرأته الوردي يشع في غور روحه . تصبح أرملة ؟! تفقده ويفقدها للأبد ؟! وابنته ، بكره فاطمة التي دار عامها الأول من أسبوع ؟! بعض كلماتها غير التامة الحروف تهيم في جو روحه المغيم الجياش . تموت يا سمير ؟! تقتلك رصاصات ؟! لماذا ؟! الموت ، فقد الحياة للأبد ، يحدث بهذه السهولة والعادية ؟!

 هو مهاب في المخيم . يحبه الناس ويحترمونه . رجولته وجرأته حقيقة مترسخة في صلابة الحديد الذي يحميه ويطرقه ويسويه وفق المراد. هوى عليه الأمر : أنت ! قم !

 وقف . لم ترتجف ساقاه . هادىء هدوءا فاجأه . لم يتوقعه بهذا القدر وهذا الرسوخ . سره ذلك في أعماقه . جدد وثوقه في رجولته وجرأته . دق الأمر قلبه وسمعه : امشِ !

 بينه وبين الضابط والجندي الذي يقتل متران . استهجن ما تموج به نفسه . فوق كل تخيلاته عن نفسه . يكاد يكون أمام نفس غريبة مفاجئة . إنه بلا خلجة خوف . في لمعة البرق تشظت من صدره زأرة مرعدة : ها !

 وبذراعيه الحديديتين دفع الضابط دفعة مهولة صدمته بالجندي ، فسقط رشاشه ، ووقع تحت الضابط .

 واختفى الضائعون بين حتمية الموت وأمل الحياة في خفة العصافير متفرقين في أزقة المخيم حذرين من أن يجبههم الجنود الإسرائيليون الذين كانوا يفتشون البيوت عن السلاح والجنود السابقين في جيش التحرير الفلسطيني . وبعد شهور انتبه الناس إلى كثرة المواليد الجدد الذين سماهم أهلهم " سمير " .

 سمير بقلم : حماد صبح 

 قابعون في حر الظهيرة الرهيب. الهواء ساكن ثقيل . ما من نسمة مفاجئة تحرك سكونه وتقلل شيئا من وطأة ثقله على نفوسهم المتقطعة رعبا وأجسادهم المرتعدة المتعرقة التي يربض فوقها شبح الموت . قتل حتى الآن اثنان ، ونجا أربعة . لم يمضِ لأي منهم أن رأى إنسانا يقتل ، يموت في ثوان زهيدة . الخوف الساحق يغرز مخالبه في كل جزيئة من كياناتهم . كيف حدث ما حدث ؟! قدر لم يتوقعه أحد منهم . أمة سحقت في ساعات .

 ويعود الصوت بعربيته الثقيلة السمجة : أنت ! قم !

 ويقوم من أمره الضابط الإسرائيلي . وفي ما يشبه الغيبوبة المظلمة المطبقة يسمع : امشِ !

 فيمشي . وتسمع من الضابط كلمة عبرية تعقبها دفقة رصاص ، ويهوي من مشى آخر مشية في حياته دجاجة ذبيحة . عرف الضابط من مشيته ، أو هكذا قدر ، أنه كان جنديا في جيش التحرير الفلسطيني رغم محاولته ابتكار مشية تنكر انتماءه لذلك الجيش .

 صار القتلى ثلاثة . يرج الرعب نفوس الجالسين ينتظرون القتل أو النجاة ، الموت أو الحياة . سمير في الثانية والعشرين . قوي البدن حديدي العضلات . حاز تلك العضلات من عمله في الحدادة . ما أغرب ما يجري وأفظعه ! الأحد العابر ، مثل اليوم عصريةً، كان في المقهى يتحدث مع الأصدقاء عن أزوف العودة . حديثهم يفيض ثقة في حتمية النصر في الحرب الوشيكة . سيعودون إلى قرى ومدن ومناطق أخرجوا منها صغارا مع أهلهم ، وبعضهم ولد بعيدا عنها في المخيم . من أين دهتهم الهزيمة الطامة ؟! وجه امرأته الوردي يشع في غور روحه . تصبح أرملة ؟! تفقده ويفقدها للأبد ؟! وابنته ، بكره فاطمة التي دار عامها الأول من أسبوع ؟! بعض كلماتها غير التامة الحروف تهيم في جو روحه المغيم الجياش . تموت يا سمير ؟! تقتلك رصاصات ؟! لماذا ؟! الموت ، فقد الحياة للأبد ، يحدث بهذه السهولة والعادية ؟!

 هو مهاب في المخيم . يحبه الناس ويحترمونه . رجولته وجرأته حقيقة مترسخة في صلابة الحديد الذي يحميه ويطرقه ويسويه وفق المراد. هوى عليه الأمر : أنت ! قم !

 وقف . لم ترتجف ساقاه . هادىء هدوءا فاجأه . لم يتوقعه بهذا القدر وهذا الرسوخ . سره ذلك في أعماقه . جدد وثوقه في رجولته وجرأته . دق الأمر قلبه وسمعه : امشِ !

 بينه وبين الضابط والجندي الذي يقتل متران . استهجن ما تموج به نفسه . فوق كل تخيلاته عن نفسه . يكاد يكون أمام نفس غريبة مفاجئة . إنه بلا خلجة خوف . في لمعة البرق تشظت من صدره زأرة مرعدة : ها !

 وبذراعيه الحديديتين دفع الضابط دفعة مهولة صدمته بالجندي ، فسقط رشاشه ، ووقع تحت الضابط .

 واختفى الضائعون بين حتمية الموت وأمل الحياة في خفة العصافير متفرقين في أزقة المخيم حذرين من أن يجبههم الجنود الإسرائيليون الذين كانوا يفتشون البيوت عن السلاح والجنود السابقين في جيش التحرير الفلسطيني . وبعد شهور انتبه الناس إلى كثرة المواليد الجدد الذين سماهم أهلهم " سمير " .

وسوم: 638