نظارة
استلمت أم زياد نظارتها مثلما استلم الآخرون نظاراتهم . ما زال الناس في البلدة يتفكهون ويضحكون مما قالته
للطبيب الذي يفحص عيون طالبي النظارات من الجنسين كبارا وصغارا . قالت إنها تريدها للقراءة . وحين قدم
لها الطبيب ورقة لتقرأها سألته هادئة : من قال لك يا بني إنني أقرأ ؟
فاندهش وسألها : ألم تقولي إنك تريدين النظارة للقراءة ؟
فأجابته دون أن يتخلى عنها الهدوء : سمعت الشاب الذي قبلي فقلت مثله .
فابتسم وفحص عينيها . وفي يوم التسليم كانت أول من استلم . وزاد من فرحها بالنظارة إحساسها بأنها غاظت
النسوة اللاتي لم يكففن عن رواية حكايتها والضحك منها ، وبعضهن شككن في نيلها نظارة ، وقلن إن الطبيب
لم يشأ جرح نفسها ففحصها وفي نيته أن يحرمها النظارة . ولما اشتكت من أقوالهن وسخرياتهن إلى جارتها
وصديقتها أم أيمن قالت هذه لها : هل سيدفع لك من مال أبيه ؟ جمعيات تقدمها للناس . مثل البطانيات التي
أخذناها أول السنة .
وصدقت أم أيمن وخابت الساخرات الضاحكات . وضعت أم زياد النظارة على عينيها وتفحصت وجهها في مرآتها اليدوية الخضراء الإطار . لم يرضها منظرها فلامت نفسها : ليتني ما طلبتها من الأصل . أضحكت
النسوان علي . سأبيعها وأتخلص منها . ويوم سوق المدينة المجاورة كانت النظارة بضاعة جديدة مع ما تبيعه
أم زياد أسبوعيا من بيض دجاجها . جلست في الموضع الذي تجلس فيه دائما ، وكلما اشترى أحد المتسوقين
عددا من البيض فاجأته بعرض النظارة عليه . بعضهم كان يستغرب عرضها ، وبعضهم كان يضعها على
عينيه ويعيدها إليها مبتسما أو متمتما بما لا تسمعه من الكلام . فجأة لمحته في الزحام ! الطبيب الذي فحص
عينيها . نادته رافعة يدها : يا دكتور !
فاتجه إليها وعرفها فابتسم . سألها : كيف النظارة ؟ إن شاء الله مناسبة !
قالت : لا مناسبة ولا هم . ولا واحد رضي يشتريها .
_ هذه خاصة بك . لا تناسب غيرك .
_ لا تناسبني ولا أناسبها . هم على القلب .
_ البسيها ! تحافظ على عينيك . سلام يا حاجة .
_ تحافظ على عيني ! صرت بها مثل الأجنبيات . ها هي يا دكتور ! انظر !
كان اختفى في الزحام ، وفي ثوان كانت كسائر النظارة تختفي في الزحام .
وسوم: العدد 643