المكشوف لمن يشوف
[هذه قصة قيل إنها وقعت حقا، وجدتُ مادتها اﻷولى في أحد المنشورات الفيسبوكية بلهجة مصرية، فأعدت صياغتها في قالب قصصي فصيح، عسى أن تعم بها الفائدة، وتحصل بها العبرة]
كان القطار يتأهب للانطلاق من أسوان إلى القاهرة، والمحطة تعج بحركة المسافرين وهم يتقاطرون في اتجاه المركبة الممتدة على السكة الحديدية كأنها ثعبان آلي، كان الجالسون في المقاعد التي من جهة الرصيف قد أثار انتباههم صورة فتى وفتاة مقبلين على القطار في ملابس عصرية جديدة، وهما في غمرة من الفرح، ﻻ تكاد الدنيا تسع فرحتهما، وﻻ يشك من رآهما أنهما حديثا عهد بالزواج .. أما الفتى فعليه قميص شبابي قصير اﻷكمام، وسروال (جنز) ببقع باهتة رغم جِدته، وأما عروسه السعيدة فكانت تتقمص (بلوزة) أرجوانية مشدودة إلى الكتفين بحمالتين رقيقتين، قصيرة من أعلى ..قصيرة من أسفل، كأنها بُويْبُ خمارة أمريكية، وتتسرول (جنزا) ضيقا يتجاوز الركبتين بقليل، كأنها تريد أن تعبر نهرا ضحلا.
نط الفتى بخفة داخل عربة من عربات القطار، ومد يده إلى فتاته وجذبها إليه، فطارت كالفراشة ووقعت بين يديه .. فتمايلا .. وتضاحكا وهما ﻻ يكادان يشعران بأحد، وﻻ تحرجهما النظرات المصوبة إليهما من كل اتجاه، وتواثبا بين المقاعد إلى أن وجدا مقعدين شاغرين، جلست الفتاة أوﻻ ثم فتاها، وعيناه ﻻ تكاد ترى في الحاضرين سواها، وبينما هو يجاذبها ألطاف اللسان، وأطراف البنان .. أحس منها تضايقا وارتباكا، وﻻحظها تنظر من طرف خفي إلى شخص كان يجلس قُبالتها، حول الشاب بصره إليه فصعق مما رأى .. رجل ستيني عليه ملابس ريفية قد ركز مِرفق يمناه على فخذه، ووضع ذقنه على كفه، واقترب بوجهه من الفتاة يحدق في صدرها العاري، يكاد أن يخرقه بنظراته الجريئة، بل يكاد أن يحرقه بالشرر المتطاير من عينيه.
يا للهول ..
يا للوقاحة ..
يا لها من قلة أدب ..
استشاط الزوج الشاب غضبا، وانتصب واقفا، وقال للبدوي وهو يشير إليه بيده كالمتوعد:
احترم نفسك ..
أنت رجل كبير ..
وما تعمله عيب ..
اﻷفضل لك أن تسوي جلستك، وأن تحول وجهك عن زوجتي !!
نظر البدوي إلى الزوج المغضب بهدوء وقال:
أنا لن أقول لك: احترم نفسك أنت،
والعيب عيبك أنت إذ سمحت لزوجتك أن تلبس هذا اللباس ..
أنت حر ..
ويا ليتك تركتها ﺗﻤﺸﻲ بلا ﻣﻼﺑﺲ ﻣﺎ ﺩﻣﺖ بذلك راضيا
لكنني سأ قول ﻟﻚ: ﺃﻧﺖ ألبستها على هذه الشاكلة لكي ننظر إلى مفاتنها،
ولكي نتفرج عليها مقبلة ومدبرة،
وها نحن أوﻻء قد فعلنا
فلم أنت غضبان إذن؟!!
انظر يا بني!
المكشوف من جسم امرأتك من حقنا جميعا أن نراه
والمستور من جسم امرأتك من حقك وحدك أن تراه
ﻭﺇﻥ ﻛﻨﺖ ﺯﻋﻼﻥ لأنني اقتربت بوجهي قليلا منها، فلا تؤاخذني
بصري ﺿﻌﻴﻒ
وقد اشتهيت أن أرى الواضحة.
بهت ﺍﻟﺰﻭﺝ من هذا المنطق الفطري الذي بلغ الغاية في اﻹنصاف، ولم يجد كلمة يقولها، ﻭﺍﺣﻤﺮ ﻭﺟﻪ ﺯﻭﺟﺘﻪ خجلا، وبلغ الحرج بهما المدى ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺗﻌﺎﻟﺖ ﺃﺻﻮﺍﺕ ﺍﻟﺮﻛﺎﺏ إﻋﺠﺎﺑﺎ ﺑﺎﻟﺪﺭﺱ ﺍﻟﺬﻱ لقنه البدوي لهما، ﻭﻟﻢ يجد الفتى المتحرر مخرجا من هذه الورطة الحداثية ﺇﻻ ﺃﻥ ﻳﺄﺧﺬ بيد ﺯﻭﺟﺘﻪ الغارقة في دهشتها، ﻭﻳﻐﺎﺩﺭ ﻋﺮﺑﺔ ﺍﻟﻘﻄﺎﺭ
وسوم: العدد 646