حب

ابتسم ! مصادفة محكمة ! المطر عنيف الهطول تنفض الريح خيوطه فيتناثر رشاشا بخاريا تحاول السيارات

النفاذ من كثافته بأضوائها . المظلة التي يرفعها فوق رأسه تذود عنه القليل . ابتسم ثانية ! مصادفة غريبة ! المسكينة ! ابتلت كاملة . تقف على بعد عشرة أمتار منه . يعوده الحديث المازح الذي كان يوما مع صديقيه

أحمد وتوفيق وسائق السيارة التي تنقلهم يوميا إلى المدرسة . بدأ الحديث حين سأله توفيق الفكه الروح : ماذا

تفعل إذا كان معك مظلة في المطر ، ورأيت فتاة بلا مظلة ؟

فبادر أحمد مجيبا : أعطيها المظلة ، وليحدث لي ما يحدث !

وقال عاهد سائق السيارة : وأنا سأفعل ما فعل أحمد .

فسأله توفيق : لماذا لا ترد يا عبد الله ؟ السؤال لك .

رد مبتسما : لن أعطيها مظلتي .

فضحك الثلاثة معا ، وسأله توفيق : أين النخوة ؟

_ لماذا لم تشترِ لها مظلة ؟

_ لم تشترِ . نسألك عن موقفك أنت .

_ أجبتك . لن أعطيها مظلتي . الفتيات يحسبن مواقف النخوة ميلا عاطفيا .

فقال عاهد : هذا موقف إنساني .

وتدخل أحمد : وليكن ميلا عاطفيا !

فأصر عبد الله على موقفه : الفتيات هكذا في الواقع .

لا سيارة تقف ، والمطر لا يكف ولا يخف .

حرجه ينمو فيغالبه قائلا لنفسه : ابتلت وانتهت . ما فائدة المظلة لها ؟ قد ترفضها .

وعاوده الشعور بغرابة المصادفة ووقوعها تنفيذا لذلك الحديث الذي انقضى عليه عامان تفرق أثناءهما سربهم .

تدنو دراجة نارية . سرعتها تقل . راكبها ليس من معارفه . يقف أمامه على حافة الأسفلت . يسأله بعد

تحية الصباح : إلى أين يا أستاذ ؟

_ شكرا .

_ مطر . شكرا ؟ ! اركب وانزل أينما تحب !

_ غزة .

_ وأنا غزة . اركب ! الله في عون هذه الفتاة .

ينفعل ويصارع حيرته . لا وقت للتردد . شجعته عبارة راكب الدراجة " الله في عون هذه الفتاة " .

فقصدها مرتبكا . قال مادا المظلة : خذيها !

رمقته باسمة وقالت : شكرا .

_ المطرة لا تتوقف .

وانزاح عن صدره ثقل حين أخذتها .

قالت : كيف أعيدها إليك ؟

_ في هذا المكان .

واستغرب أنه لم يرها سوى اليوم . واضح أنها طالبة . كيف لم يرها من قبل ؟

صبيحة اليوم التالي تلاقيا في نفس المكان . سبقته بدقائق . أعادت إليه المظلة هامسة : شكرا يا أستاذ !

هم أن يرد : لا شكر على واجب ، فلم تغادر فمه .

قالت : الجو اليوم صافٍ .

كاد أن يسألها عن ظهورها المفاجىء في المكان فأحجم . وفي أول يوم جمعة تلا ما كان بينهما عرف

سبب ذلك الظهور . في الطريق إلى المسجد مع صديقه رشيد قال هذا مشيرا إلى بيت على يسار الطريق :

اشترته عائلة منذ أيام . لهم بنت تدرس مع أختي سلوى في جامعة الأقصى .

صارت صباحاته مختلفة . حماسة لذيذة ترف في نفسه وترافقه نحو ذلك الموقف . لا يتبادلان حتى التحية .

كل واحد يختلس النظر إلى الآخر . يقلق ويحزن إذا لم يرها . هل بدأ يحبها ؟ يكثر التفكير فيها . يتذكر

حبه الأول ويقارن  بين الاثنتين في الهيئة . لا يعرف بعد شهر اسمها . تدهشه وتحيره خلجات نفسه

وتبايناتها . أحيانا يصحو حنينه إلى فاطمة . الجديدة تلح على وجدانه وخواطره . يبدو أنه يحبها .

في صباح حياها فحيته هامسة متوترة النبرة . القلبان يتقاربان نبضة نبضة . وفي صباح ركبا سيارة

واحدة . تحير . هل يدفع أجرتها ؟ خشي أن تعترض فتنفجر الصدمة المخيبة . مباغتات المشاعر والمسالك

بين الجنسين كثيرة لا تخضع لتفسيرات العقل المعتمدة على الظواهر والشواهد . خرج في صباح . مطر ناعم

يلمس وجهه . السماء سحب سوداء ورمادية . في النشرة الجوية أن المطر سيبدأ في الصباح . قطراته تتزايد كبيرة . يقوى ويقترب من مطر صباح أول لقاء . سبق فريدة إلى الموقف . يعرف الآن اسمها . عرفه من رشيد .

حيته فحياها وقال في جرأة تفاجأ بها : خذي المظلة قبل أن تبتلي !

أخذتها غاضة وجهها ، وفي صباح اليوم التالي أعادتها محمرة الوجه . همست : انتبه

إلى ما بها !

توتر وتدافعت خفقات قلبه ، وعصف الانفعال بروحه حين لمح ورقة مطوية مثبتة بدبوس داخل المظلة .

وقفت سيارة فركبت فيها . فتح الورقة مرتعش اليد محتر الشعور . همس طاغي الانفعال : وأنا أحبك .

وسوم: العدد 647