دعني ألمس الشمس

clip_image002_74985.png

أخي القابع قهرا في أقبية السجون

ينخلع جسدك مع كل ضربة

من كل سوط .. لسادي مجنون

لا أقول لك .. تجلد .. أصبر .. تحمل

فأنا لا أحظى بشرف مكانك

واختبار أباطرة الإيمان

وصمود كل صنديد ميمون

ولكني أرى مكانك ومكانتك

في أعلى عليين

سرمدي .. مع كل الملائكة .. مع كل الأنبياء

بلا ألم .. بلا شجون

مصطفى عاصم

أيها الزبني ..

يا كبير زبانية عذاب الدنيا

باطلا أراك من أسفل

من قعر القبو الذي رميتني فيه

من منبت جذر معتقل .. لا أدري أين هو .. وما هو اسمه .. أرى عينيك الباسلة تحدق في .. بحدقات متهدله .. ترميني بوخز نظراتك المستنكرة

أن كيف لمعتقل مثلي .. القيته في قبو مظلم في معتقلك .. في فترات الراحة بين لهيب سياطك

وفنون ساديتك وتعذيبك

كيف لا يبكي .. ولن أبكي

كيف لا يئن .. وقد شاخ أنيني

كيف لا يطلب .. ولن أطلب أن تخرجني .. إلا أن يشاء الله

لا أحاسبك الآن .. فكلينا يعرف أنك الباطل

وأن قبوي المظلم هذا .. هو ما قدرتموه لي

لأني أقول كلمة حق .. ولن أخون الله الواحد الحق

لا تعبأ بجروحي .. بشقوق جسدي .. من أثر سياطك .. لا أراها في ظلامي .. ولكن رائحة الدود المختبئ في ثناياها يوشي ويفتن

لا تهتم بقطرات دمي .. تسيل بين أصابع يدي .. وأظافري المتسخة .. وقد تعدت باحمرارها .. أقصى حدود الغم

لا أسـألك عن طعامي الذي تلقيه في قبوي عفنا .. فتافيت أتحسسها في عنف السواد

ولا قطرات الماء الآسن تسقطها على جدار القبو وأحجاره المدببة الخشنة .. ألعقها رغما

أيها الزبني ..

يا كبير زبانية جحيم الدنيا المؤقت

حتى يأتي فرج الله وأنعم بنعيم الجنة .. لا أريد منك شيئا وأنا مركوم في قبوي كعبيد الإغريق ..

إلا شيئا واحدا وحيدا

أيها الزبني .. أيها السجان

أرجوك .. اسمح لي أن أرى الشمس

>>>>>>>><<<<<<<< 

وكأنك تسمع كل أنيني وشجني ونحيبي .. ولا تجيب إلا بما يفر من ثقوب عقلك السادي .. المريض بمرض كل طاغوت بهيمي

أرى طاقة تنفرج رويدا رويدا من فوقي .. وأعلى من طاقة قبوي .. وتتسلل منها بتؤدة سلاسل ضوئية .. ذهبية .. لامعة للشمس .. آآآآآه .. الشمس

وينكسر شعاعها بزاوية حادة على حائط واحد من حيطان قبوي وتستقر الشمس على هذا النحو

كانت الأشعة طازجة وليدة .. تنبئ أننا في أول النهار .. وقبل الظهر

يتقافز قلبي فرحا .. رغم جسدي المتهالك من أثر التعذيب المستمر .. وتتمدد يدي وتمتد .. لتقبض على أحد أشعة الشمس المقذوف على الحائط .. ولا تصل

أحاول أن أرمي أظافري لأبعد مداها

ولا تصل لحد الشمس

أقفز بسيقاني الدامية وقدماي المثخنتين .. ولا فائدة .. لا أصل لحد الشمس

أصرخ راجيا من سجاني ..

-         أيها الزبني العظيم ..ألا فتحت الطاقة عن آخرها لتغمرني الشمس

ألا صنعت في معروفا واحدا لتكمل تعذيبي والتنكيل بجسدي المسكين .. ولكن دعني ألمس الشمس

أكاد أرى طرفي حدقيتك تلمعان في ركني وجهك من أثر ضوء الشمس المعكوس ..

ألا يسرك أن تعذبني وتنتشي

عذابي هو أن أغرق في ضوء الشمس

أو أن ألمس بطرف ظفري إحدى حدودها

تلمع أطرافي بفيضان بريقها

أيها الزبني .. أطلب منك ثانية وثالثة

أرجوك .. دعني ألمس الشمس

ويأتي صوت أجش .. قاس .. ناهر ..

-         (كفى مزاحا .. سأغلق السقف)

وتنسحب الشمس على عجل من مشهدي ..

ويسود الظلام .. وأعود لقاع قبوي بظلامه

ودمائي الجافة بين شقوق جسدي وأثر سياطه

وأنا .. أندب حظي وأملي لأنني رأيت الشمس

أمامي .. ولم أقو على لمسها

>>>>>>>><<<<<<<< 

أيها الظلام الفسيح

أيها البحر الليلي بغير شطآن

أخبرني إذا تفضلت

هل نحن بليل أم نهار ..

لا أستطيع أن أعد الدقائق والساعات ..

فقدت نكهة الأرقام

ولم يعد لوقتي أي معزى أو معان

لا أخرج من ظلمتي القبوية .. إلا عندما تأتي وصلة تعذيبي خارجة

تارة بالسياط .. وتارة بالكهرباء ..

ومرات كثيرة .. تارات ومرات .. بكل ألوان العذاب .. ما يفوق بكل منطق .. كل السياط

جسدي بدأ يتبلد من كثرة الآلام .. وآهات وجعي تعدت مراكز الألم وصارت روتينا يتكرر

بدون وخز .. بدون كسر كأنين اللئام

الديدان تولد في تشققاتي .. أثر السياط

وتحرق وتشوى بعد كل جرعة صعق الكهرباء

دمائي تجف وتبتل .. ثم تجف ثم تتبلل قسرا

ولا تترك مجرى عروقي على جلدي .. في معصمي ونحري

لا أراها في سوادي الحالك .. ولكني أشم رائحتها على الدوام

لم يعد حلمي أن أرى الشمس أو أن ألمس حدها الفاصل ..

بل أن حلمي الوحيد الآن .. هو أن أموت

أن أغادر هذه الحياة بسلام

>>>>>>>><<<<<<<< 

-         (هل تريد أن ترى الشمس؟)

أيقظني السجان بصوته .. الزبني العظيم

غشتني سنة نوم .. رأيت فيها الجنة ورأيتني أسبح في ضوء شديد .. أقوى من ضوء الشمس .. ولكنه أنقى وأجمل .. لا أعرف وصفه .. ولكني عرفت أنني أسبح في ضوء الجنة .. لعله نور الله .. وقد تجلى لعباده الصابرين الفائزين بالجنة

-         (هل مت؟ .. أنطق .. تكلم .. أتسمعني؟ .. هل تريد أن ترى الشمس؟)

أستجمع عافيتي .. وأشد أحبال صوتي .. لأرد عليه بهامتي المرفوعة دائما التي تغيظه وتقهره حتى في أشد لحظات تعذيبه لجسدي

-       (ومن منا لا يريد أن يرى الشمس)

-       (آه .. أنت حي إذن؟ .. أسمعني صوتك .. سأجعلك تراها .. ولكن بشرطي أنا)

-       (وما هو شرطك يا كبير الزبانية؟)

-       (عجبا .. أنت تتكلم بكل عنفوان وثبات بعدما ألهبت جسدك بالأمس .. اسمع .. أرني إن كنت تستطيع أن تحتفظ بقوتك فيما آمرك به.. إن كنت تريد أن ترى الشمس .. فعليك أن تنكحها)

رانت لحظة صمت وسكون قبل أن ألحظ رد فعلي .. حيث تحركت شفتاي بابتسامة استهجان عميقة .. لم يكفهم قهر جسدي .. عزيز عليهم أن تقهرهم نفسي بإبائها وصمودها .. فأرادوا أن يقهروا نفسي ..

ألا لعنة الله على الزبانية المفسدين ..

يا ملائكة السماء والأرض .. إن كنتم تسمعوني .. فاشفعوا لي عند المولى ليأمر بقبض روحي .. لعلي بشفاعتكم لي أكون من الناجين

ويأتي صوت الزبني حادا .. كسكين يقطع لحمة الظلام

-       (اخلع ملابسك واستعد .. سأفتح لك السقف وستغمر الشمس المكان .. الشمس أنثى .. وأريدك أن تنكحها أمامي .. بل أريدك أن تتركها حبلى .. هيا اخلع ملابسك واستعد .. ستنكح الشمس)

وكأني نسيت كل كلمات اللغة .. وكل الأدعية .. وعضلات لساني لا تتذكر إلا جملة واحدة .. أصدح بها من عمق القبو .. ومن جذر الظلام

-       (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)

وأكررها  .. ويكرر الزبني أمره

-       (انكح الشمس)

-       (لا إله إلا أنت سبحانك ..)

-       (انكح الشمس)

-       (لا إله إلا أنت ..)

-       (ستنكح الشمس)

>>>>>>>><<<<<<<< 

ملحوظة:

صاحب هذه الكلمات .. ساكن القبو المظلم .. فاضت روحه عندما فتح سجانه سقف السجن وغمر ضوء الشمس القوي قاع القبو

وهو الآن يسبح في ضوء آخر ..

ضوء الجنة .. وقد كان هذا آخر ما رأى

قبل أن يلمسه شعاع ضوء الشمس

وسوم: العدد 647