وجع الذاكرة
يقول النادل فى حركة أراجوزية تبعث على الضحك :
-ألم تشاهد (م-لاعب كرة السلة الشهير)وهو يعلم (م-المغنى الأمريكى ذائع الصيت )إيلاج الكرة فى السلة المعشوقة.
يقول معقب بنبرات التبجيل :
-الغريب أن (م-المغنى) يدع خادمه يبيع أدران اغتساله بالثروات الطائلة .
يقول ثالث بنبرات المفكرين المكتظة بهم شاشات التلفاز العقيمة :
-السجن هناك نعمة لأمثالنا.
يقول رابع ــ أثناء عبوره عتبة الغرزة مطأطئ الرأس ــ بيقين العلماء المجربين :
-م )المغنى ) مخنث ؛بل أنه أنثى بالفعل .
جالس أنا ،أتناقل نظراتى المبعثرة بين الأفواه المتحدثة ،أتحسس ياقة قميصى ،أحرك أصابع أقدامى داخل حذائى ،تلتف القدم على القدم ،أشد نفساَ من الشيشة عملاقاَ ،أستغرق فى قراءة أدخنة النارجيلة الطلسمية محاولاَ أن أفك رموزها :
- هراء .- لا ؛بل حقيقة .
- طالما فى الجوف تداعيات أفكار ..
- أيضا فى الأدخنة /الأخيلة ردود أفعال .
عطس المجاور لى بمقعدته مترهلة اللحم ،فأبتل وجهى بالرذاذ المتراشق ،واجهته لأوبخه ،فدفس عينيه فى الشيشة وكأنه لم يفعل شيئا.قلت فى تأفف وأزدراء :
-احذر إيذاء الأخرين .
كح وتفل بصاقاَ رمادياَ ،ولم يعرنى أدنى أهتمام ،وفكرت أن أهجم عليه وأضربه ،أو على الأقل أرش عليه لعابى الجاف ،وأبجديات الثأر تتعملق فى العقل؛هو المعتدى ؛ولم يعتذر ؛فلم سكوتى ؟ولكن لو نفذت ما أنتويته سيحيق بى الأستهجان ،سيقال لم يقترف جرماَ ما ؛وإنما هى أشياء هامشية ،وكالمقذوف النارى أخترق جسد (الغرزة) العنكبوتى صائحاَ كمنادى السلطان فى العهد القديم :
-250 جنيها فقط وتسيح فى اسرائيل .
سكوت مفاجئ ،لحظة صمت كهربائية ،ثم بنبرات الألتماس يقول :
-حجرين معسل وبسرعة .
مازال العقل تتجاذبه وشوشات الأفكار البذخية :
-أأخوض المعركة لنهايتها مع الذى أسبغنى برذاذه ؟
-أم ألهى نفسى بالكركرة !
أبتسم فى خفوت ،أغترف بالماشة إحدى جمرات الموقد لأسكنها حجر المعسل ،ينتفض صدرى بعنف ،تتساقط الماشة ،تتعانق فى المخيلة خيوط ذلك اليوم البعيد ؛صبيحة السادس من أكتوبر :
لم يقل الضابط سوى :
-لا تدريب اليوم .
التف بعضنا حول بعض جلوساَ فوق أجولة الرمال ؛ لنتحاكى السمر ،والشمندى يستهل الذكر بطرفة :
-أمام المشهد الحسينى متسول يلحف الناس السؤال ،رق قلب أحد البكوات ،فتصدق بورقة دولارية ،واستغرب الشحاذ مبتور الساقين والمتربع فوق عربته الخشبية ذات العجلات ،وسأل فى أصرار :
-من أية بلد أنت ؟
رد المتعطر متبرماَ من السؤال :
- فلسطين .
فما كان من السائل سوى أن جمع كل المحصول الوفير ودسه فى جيب المحسن ،وبنبرات الجد يقطع الجدل قائلاَ:
-نحن نتسول من أجلكم .
تتدثر الوجوه بأمارات الا متعاض ،ولم يتمالك صلاح رباطة جأشه ،وهم بصفعه إلا أن الأجساد حالت دون ذلك ،والصول خليل يصيح فى عصبية :
-انتباه .
فى تكاسل ننهض من رقدتنا ،نصطف ،وفى صدورنا لعنات على الشمندى وصلاح وخليل ،ويذيع عن أجتماع نمطى سيعقد اللحظة ،تنضم إلينا بقية السرايا ،القائد يتنحنح ،يتفقد الصفوف ،يداعب بعض الجنود ،ينظر إلى السماء ،يتخطى الأفق ،يتفرس الرمال ،ينحنى ليغرف قبضة رمال ،أتحسس ياقة الأفرول ،أهذى بصوت خفيض :
-اليوم يوم غريب .
يرد الشمندى بصوت مزكوم ،وعلامات الاستهتار تكسو وجهه :
-اليوم يوم الروتين .الصول يتلو لوحة التعليمات ،نلهو فى وجل ، خلف التجهمات فيضانات السخرية ،ويختار القائد عشرة أفراد ،يسبقهم إلى غرفة العمليات ،أجر أقدامى وسط أقدامهم ،وبعصاه الجريدية يشير إلى نقطتين فوق الماكيت المجسد لخط بارليف ،وفى ثبات يأمر :
- المطلوب التسلل الآن إلى هذه النقاط وتعطيل فاعليتها ونتف ريشها ،دون أطلاق للنار .}أعادتنى كحته الثانية إلى دائرة الوعى ،وبتلقائية متقنة رددت عليه سيل الرذاذ ،فغادر الغرزة وهو يلعن انعدام الذوق ،أطبطب على الأرض بأقدامى فى تلاحق نغمى ،وأحد الجالسين يبتر صمت الألسن :
- الجو غير مركز .
ثان ينسل الحروف من الجسد الدخانى :
-سيول فى قبلى .
أعقب بالنبرات المتباطئة :
-فصل الخريف وكل سنة وأنتم مكررون .
أقف خاملاَ ،أنظر فى المرآة الغبشية المتاخمة للباب ،ألمح شعرى الأشعث ،وأنفى الأقنى ،وموقد الجاز المتطرح براد الشاى ،وأتساءل فى سريرتى :
-من الحقيقى ؛القابع أمام المرأة أم الباسق داخلها ؟أم الحقيقة تسكن الفراغ بينى وبينها !الحوارات المتبادلة تحتد ،تنتشلنى من أرهاصات الغرق ،النادل يصيح :
-لا نملك سوى ردود أفعال مخنثة .حسرة مفجعة تنطلق من أحد أفواه المعلقين :
-أصداء لواقط الصوت .
عم محمد موزع الفكاهات يروى بتفقه :
-مرشح يوزع لفائف القديد المسموم على أبناء الدائرة ؛تموت الدائرة ويصبح هو نائبها ووريثها الوحيد .
يزعق صاحب الغرزة :
-الغرزة بيت الراحة ؛موطن الخراء .
أهرب ،أعبر الطرقات المزدحمة ،أبحث عن بنك الذاكرة ،ألج الأبواب المواربة :
صغيرتى تشبعنى تقبيلاَ ،أهدهدها فى مرح ،تهمس فى حبور وهى تعبث بشواربى :
-لا تنس أن تجلب لى نجمة سداسية ؛لألعب بها الحجلة .
أضمها إلى فؤادى ،تخلصها زوجتى من شباكى الوارفة ،تدس فى حقيبتى مصحفاَ صغيراَوزوجاَ من الجوارب وصورة تجمعنا سوياَ.
- حاسب أنت أعمى .
يوبخ بأصداء الا رتباك ،بعد أن يفرمل السيارة بعنف المفاجأة محدثة زيق التوقف غليظ النغمات ،حفت المقدمة ساقى اليمنى ،شرعت فى الوقوع ،استبدل عقلى أوامره بأخرى جديدة :
-لا تقع ؛تقهقر إلى الوراء قليلاَ.
ويعقب ــكعادته ساعة الحسم ــ ساخراَ :
-أم لحقتك ترهلات الأبدان/الأزمان .
أقعدونى فوق الطوار ،الشتائم تدثرنى ،هبط من سيارته كعزرائيل ،يصيح بغباء الأنتقام :
-كدت أن تضيعنى .
-نعم أضيعك كما أضعتك فى الماضى .بهمهمات التناجى أفتعل حواراَ ذاتياَ :
(صخور جلمودية معبأة فى أجولة الأسلاك الشائكة المكهربة عبرتها ،فاضت فوقها دماء الصعايدة والبحاروة ،صلاح تصعقه الكهرباء فيخر شهيداَمتفحماٌ منزوع الدماء ،تعملقت أرواحنا فى روح واحدة .)
همسى أخترق الأذن :
-كيف أضيعه وأنا السبب فى وجوده الآن ؟
يتمتم وهو يغادر الرصيف صاعداَ سيارته الانسيابية السوداء :
-سكران ؛أكيد.
أصرخ بصوت مبحوح :
-آه ..ساقى ..قدمى..ظهرى .
لا يحتمل الوقوف التوجعات فيولون الأدبار ،لم يغب عنى الوعى ،ولم أستمرئ الشكوى ،وطاردتنى أطياف الذكريات ،وصرت جماداَ ساكناَــ وما أنا بجماد ــ أوزع النظرات فى شتى المكونات ،أنطباع ما ولد فى الذهن ،ليس بالذهول أو البلاهة ،أقعدتنى الحيرة مكبوساَ فى بنطالى الضيق /البالى ،وهيئتى ــ قيل لى فيما بعد ــ سيئة ،رأف بى أحد المشاة ،أوسدنى ورقة من فئة عشرة جنيهات ،استطال بى وقت الترقب :
(هينم القائد :
-الخطة الرئيسية لها مائة خطة فرعية بعدد المخططين معمعة التنفيذ .
أتقدم دوماَ ولا أتراجع ،وقالت زوجتى :
-الأسرة أولا .
أقتل بشهوة الأنتقام ،وتعاهدت مع الزناد أن يكون ثمن كل شهيد عشرة أرواح يهودية ،أكلت كلاب السيجة جميعهم فى قضمة واحدة ،تسللت إلى الموقع الذى كان يومها حصيناَ ،وفوجئت أنه خالى الوفاض ،الولد النص الحرامى نقب حائط شونة التبن فأغمى عليه ،جن صوابى ،وتعطل الزناد لحين أشعار آخر .الديك يقاوم النعاس)
فاحت روائح نتانة متجسدة فى شكل هزلى متطاوح الأرداف والسوق والأذرع ،سحبت الورقة النقدية ،دبت في الأنتباهة ،شددتها منها ثانية ،أنقطعت الورقة جزأين ،تحسست الياقة المتسخة ،طرقعت أصابع يدى ،قالت فى تشف :-قسمة عادلة أنا صاحبة حق الأنتفاع بهذا المربع السكنى .فززت واقفاَ ،لسعتها شرارات عيونى اللا محدودة الروافد والأهداف ،فأنزلق ما بيدها متساقطاَ ،فرت على عجلة التلاشى ،هززت رأسى فى أمتعاض (اكتشفت عنوة أشعاعاتى الخارقة /الحارقة ،أحاطونى بوابل النار المنفلت من بنادق مهزوزة ،صرخت فى صحن الحارة :-لم أقربها ؛محض افتراء .-لا وقت للتفكير الذى قد يؤدى إلى حتفك .ارتديت كل أقنعة الوجود الفولاذية ،وفى الدائرة التى أتمركزها انتفضت بندقيتى ،فلتكشف عليها الداية ،أصبحت جزءَ لا يتجزأ من بندقيتى ،انطلقت حمم البراكين الآسنة فى جزيئاتى ،زغاريد نساء الحارة /البراءة تعانق السماء ،زلزالى تهاوى بالأرض كلها فأبتلع كل الأشياء )
استندت على بقيتى المضعضعة ،ورأيت السايس يتفصد عرقاَ وهو يرص طوابير السيارات المتكاثرة،وفوق ثغره بسمة ثابتة/عجفاء ،ولسانه لايفتر عن النثر :تفضل يا باشا .
-من هنا الولوج يا دكتور .
-اترك المفتاح فى السيارة يا معلم .
-خيرك أغرقنا يا عمدة .
إشاراتك واجبة النفاذ يا سيادة المستشار .
-شريطك الأخير رائع وعالمى وغارق فى المحلية .
يغنى فى استمتاع :هشك..بشك..يا نونو ..عشك ..يا قمر الماضى والحاضر والآتى .
يهز وسطه باشاَ ومستقبلاَ الهانم ،وعندما لمحنى أقاوم السقوط تحرك بضع خطوات ميتعداَمحدثاَ عقله :
-ابعد عن الشر وارقص له .
(تجمعت نثريات الكتيبة فأبيدت الفئران المذعورة فى جحورها ،وهالة الله أكبر النصرية تحتوى المكان بعد أن دحرت زوابع الأغبرة والشظايا المنتشرة فى الأجواء الخريفية ،حماتى تقبل يدى ،زهور عبقة تركن فوق المنضدة ،بنيتى أدمنت الحجلة سداسية الخانات.)
خطوت مترنحاَ ملتحفاَ الرصيف المأوى :
(جلسة شاعرية فوق السطوح ،أوزع الأوراق ،يطاردنى الشائب ،تردد زوجتى المفلطحة الحكم ؛أدور فوق الفراش مائة مرة ،أغسل أكواب الشاى ،ألتهم طبق العصيدة .}تطايرت مكونات الكون ،أتربة كالحة،عروق خشبية ضخمة ،أشجارزغبية الأوراق ،بنايات عملاقة/هشة ،جسور الكتل الأسمنتية المفككة ،إنطفاء مشاعل الشمس فى سائل العواصف اللزج ،أنصهار النيل الخالد ،برق ،رعد ،أمطار ،نداءات إغاثة ،مطاردات هزلية ،انكفأت على وجهى أكثر من مرة ،والسايس تذروه الرياح ،أناضل التطاوح ،أتحصن ضد التجرح ،أناطح الأنتكاس ،أفرك عيونى ،تحجرت الدموع ،ومن بعيد ــ عبر أستار العاصفة ــ لمحت الغرزة كومة حطام .)
حفر عميقة تتكاثر إلى متواليات حسابية لا نهائية ،دانات تتهاوى كأمطار الخريف النارية ،عم رزق البقال خط فوق صفحة الخشب /الباب :ممنوع الشكك.
طقطقات الرشاشات تناغى الهواء بعشق المبتهلين المستجابة أدعيتهم ،تكايا الصوفية تمارس الأستجداء خشية الأفلاس ،الفران ابتاع ماكينة البسكويت ،جنود "الله أكبر"يتلاعبون بالكرة الأرضية فى عنفوان ،فوضى ،جنون ،ذعر ،يقين ،حرق قصب الصعيد ،انفلات من كهف الصحراء المأهول بالثعابين والعقارب وخيالات سداسية الأضلاع مفخخة بالسراب، نهم الأفتراس ،جروح أفئدة تندمل ،تقيحات ،ثوار ،ثوار .وحدة مملة ،نجمة خماسية تزين الصدر ،فوق القاعدة الرخامية دمعت أسماؤهم ،مبولة تلازمنى ،بحار الدموع تحتضن جثمان أم كلثوم ،غثاء غيث يخلد مانحى الغوث ،انثقبت القربة بمسلة بائعى المياه ،اغتراب فى دارى .}أستنهض أشلائى ،أدفع باب المرقص ،أهازيج أغانى السلال تختلط بالهواء المستنشق ،أتحسس ياقة القميص فلا أجدها ،التلفاز يوش ،الجوقة يثرثرون ،هدية كل ضمير رابطة عنق ،أرقص رقصة الرحاية .
تمت بحمد الله
وسوم: العدد 653