شكاية
ب: 12/12/ 1212
من: رئيس الجماعة الحضرية 12
إلى السيد: باشا مدينة القصــــــــ ...
الموضوع: إخبار
سلام تام بوجود مولانا الإمام
وبعد:
يؤسفني أن أنهي إلى علمكم سيدي الباشا بتفاصيل الإخبار موضوع المراسلة:
بينما أنا أقوم بواجبي بكل تفان وإخلاص، بل بعزيمة لا تكل، وشكيمة لا تخبو، وحسن تدبير لا ينثني؛ خدمة للصالح العام، ليتقدم بلدنا إلى الأمام، سمعت صوتا مدويا في ممرات الإدارة فخلت صاحبه أحد الإرهابين جاء يفرض علينا موتا جماعي دون ذنب كي يدخل جنة عرضها عرض السماوات والأرض ! لكن بعد تمعني واستحضارا لما سيحدث، تأكد لي أنه صوت رجل يحتج. علا م كان احتجاجه؟ لم أكن لأدري !غير أن حنقي وغضبي على هذه الفوضى العارمة كانا عظيمين.
في البداية لم أبحث عن سبب زعيقه المهول، بل استجمعت همتي وشجاعتي معا وطرت بهما وجثمت على كرسي مكتبي؛ لأكون على أهبة اتخاذ التدابير اللازمة للنط من شباك مكتبي (بالطابق الثاني ) إذا لزم الأمر؛ فأولى بي أن أحظى بنصف موتة ولو مشوها، بدل موت غير كامل الأوصاف وتجمع أطراف أطرافي في الأكياس. حينها داهم مكتبي رجل كل أعضاء بدنه كانت من الحجم الكبير، وبدت لي شواربه كسوط جلاد سنين الرصاص، خار كلاما كما الثور العطشان وقت قيظ وكنت - بالنسبة له - أنا ذاك الكوثر الرقراق، وهذا أقل ما يمكنني أن أصفه به، رمى في اتجاه وجهي أوراقا اصفرها القدم كأنها سلت من كتاب الحيوان، ثم هوى بكفيه على مكتبي، حتى سقطتُ من أعلا كرسي المكتب على أم مؤخرتي، انحنى نحوي، جحظت عيناه في عيني فخلته الجاحظ ذاته ترك زمانه وحضر، فأوشكتُ إيشاكا على التبول في سروالي، صهل:
- أنا هو المهدي يا من لا يعرفني، صادق على هذه الأوراق، سأعود بعد قليل لأرى إن كنتم في عملكم صادقين ؟!
قالها وهو يحذرني بحركة من سبابته - باحتقار- وبعدها زفر ثم خبط باب مكتبي بعصبية وانصرف.
قلت في نفسي؛ لا شك أنه مبعوث من طرف الوزارة جاء يفتحص تلاعبات طالت ملفات من وراء ظهري من قبل صغار الموظفين. وبعد وقت ليس باليسير توافدت على مكتبي جموع الموظفين بعدما تأكدوا من انصراف المفتش المهدي، حينها تيقنت أن الله هو وحده من يحميني دونا عن كل هؤلاء الموظفين المنافقين، الذين طننت أنهم قد يفدونني بأرواحهم إذا لزم الأمر، وتيقنت آنذاك أن الأمن المتواجد بإدارتي لم يكن سوى لوحة للدعاية بأن للإدارة ربا يحميها.
قال أقوى الموظفين بعدما استعار من الغول صوته:
- تملكتني أعصاب لا تطاق، فهرولت بعيدا عن الإدارة مخافة أن أقتله وأشرب دمه كله.
وقال آخر:
- لو لم يكن لي عيال صغار أعولهم، لكنت أسقطت اسمه من سجل الأحياء.
وقبل أن يتوالى باقي الموظفين على سرد بطولاتهم الخيالية تنحنحة وصرخت:
- لو لم أتأكد من كونه مفتشا للمقاطعات لحررت في حقه محضر إهانة موظف إثناء أداء عمله يلقي به في السجن ردحا طويلا من الزمن. – أسمعت طاقمي الإداري هذا التهديد، كي لا يستسهلني في ما بعد أحد منهم - وأردفت ناهرا:
- التحقوا حالا بمكاتبكم، وصادقوا على وثائقه بدقة متناهية واجتنبوا الرشوة هذا اليوم المشئوم لعلكم تفلحون .
افرنقعوا من حولي في عجل، وباشروا عملهم بجدية موظفي المدينة الفاضلة؛ ولأول مرة رأيتهم يستقبلون المواطنين بمنتهى البشاشة والليونة والأدب، وبتحيات زكيات مرفوقة بابتسامات عريضات، وبدت على أداءاتهم حيوية متجددة لم أعهدها فيهم من ذي قبل.
ولما عاد المهدي المنتظر، تبين لنا جليا أنه لم يكن سوى وافد جديد جاءنا لنصادق على أوراق حمقه للحصول على شهادة الإقامة في المدينة.
وبه وجب إخباركم.
والســـــــــــــــــــــــــــــــــــلام.
إمضاء: عبد الواحد الزفري
وسوم: العدد 655