عبث

عصام الدين محمد أحمد

يتسربل الليل بالزمهرير ، يطفح السوق بالأسمال وبقايا رجال ، تزدحم الغرزة بمُستحلبي السمر الدُخاني،  تمرق سيارة يغتصب مقعدها الأمامي مُتجهم الوجه ، تخترق " ماشة " حديدية التخوم .. ترتشق في خده الأيمن الطري .. تتسمر السيارة مزمجرة .. يهبط النازف دماً وكرامة .. أنقذف ناراً إلى قلب  الغـُرزة .. يصيح كاتم التوجع :

لانسكاب الدماء . يرشق اللسان عبارات التهديد :

- اعترف : من هو ؟

يعم السكوت ، يتأوه ، يتوعد :

- سأضربك .

   يتململ علاء،  يبصق في جوفه،  يتغابى :

- لا أعرف الفاعل .. بالتأكيد ليس أنا .. و .....

يخـُر أسفل الأقدام ساجداً ، منكوشة تلابيبه ، مصفوعاً، متقولاً  مركولاً،. يلتم رواد الغـُرزة ، محاولين فض الاشتباك،تهرول الجهود سدى ، تتشرنق الحناجر مرددة :

- لم يفعل شيئ .اً 

   يمتشق طبنجته الميري ، تنخرس الألسُن ، يزأر :

- من لم يخرس سأعذبه ، لن يفلت من قبضات يدي.

   تنغرس مخالبه في الجسد الآيل للسقوط ، يتبرم باكياً :

- ماذنبي ، أهذا جزاء الإحسان ؟ ؟

لا أحد يقدم على شكم الضارب ، تبتلع الأجواف التعليقات ؟

-    محض صُدفة .

-    رب صُدفة شر من ألف ميعاد .

-    قدر محفوف بالمحاذير .

  ذو الجلباب الصوفي المُتعطر يسُر للآذن المتورمة :

-    - أعطيه خمسين جنيهاً حتى لا يستدعي آخرين لطحنك بعد جرشك .

ألتصق علاء بالأرض ، يتفصد جسده ألماً ، زف المتعطرون الضارب الأشج إلى غرفة المكتب ، احضروا له قهوة سُكر زيادة – فمذاق قهوته معهود لديهم وتجاذبوا الحديث، تطوع أحد الوقوف برفع علاء المُفترش على الأرض الحاضنة ، طبطب على النفس الهلعة ، ينتقض علاء ، يرتكس ، يخمد . يزوم ، يبكي ، يلعن الزمن ،  أجلسه على الدكة يلومه :

- تعلم يقينياً الضارب .

يتلعثم :

- ابن المعلم .

  يقاطعه ناصحاً :

  تركك فريسة لمن لا يرحم ... لم تره في عرينه.

  تلتهب أوداجه ينتفش ريشه .. ينفجر بركانه :

- من الذي سيتغرم الإتاوة ؟ ؟

يلوك كلاماً منظوماً :

- ترك الهمام الغلام

وتعلم الملام وجيعة الإيلام

يختبر الألحان ، يمد ، يقصر ، يغنى ، وكأن الضرب أظهر موهبته شعراً ، تاهت نبراته في ضجيج الحركة ، روش المزاد ، تحميل أقفاص الفاكهة ، تنزيل أجولة الخـُضار، زعيق .. نهيق .. زئير ،  الحمالون ينزون أنفاسا لاهثة، يحشر المعلم البائعين في سلة التسوق، تنـُط الزؤبعة من موضع لآخر . اللغط يصم الآذان ،  تقافزت الصور ،  تضعضع الجسد . تكسرت النفس ، يشكو للمعلم ، يأبى المعلم التعويض قائلاً :

-  لم أقـُل لك تستر ؟ ؟

يهذي علاء :

-  محاً مكوثي الدهري في هذه البقاع كل تعايش مُتزن .. اكتنفت هذه الأزمنة الظلال السوداء ... قبل أن تكتمل الكلمات الدخيلة ... هاجمه ابن المعلم .. يكيل له الضرب المُـفضي إلى الهلاك لا محالة .. خلعوه من الأمعاء قبل أن تذيبه العصارات .

شاهدوه وهو يضاعف قيمة الدية .

وسوم: العدد 660