رسائل البحر : حكمة الصنارة

د. أحمد محمد كنعان

كان ابن البحر، فلا غرابة أن يتعلق قلبه بالصيد حتى أصبحت الصنارة جزءاً من حياته، لكنه كثيراً ما كان يقضي النهار كله تحت الشمس والريح والمطر، ويعود في المساء إلى بيته وليس في سلته سمكة واحدة، إلى أن تعرف على عجوز يحترف الصيد فعلمه كيف يصطاد بالديناميت ، 

فبدأ يصطاد بالديناميت! وبعد أن كان يستجدي البحر ولو سمكة واحدة في اليوم أصبح بعد الديناميت يمنّ على البحر بالكثير من السمك الذي قتله الديناميت فيتركه لقمة سائغة للبحر !!

ولأول مرة في حياته أحس بالسعادة وهو ينتصر على البحر الذي خذله مراراً قبل ذلك، غير أن سعادته لم تكتمل، فعندما جلس في البيت يفرز غنيمته من الأسماك استولى عليه حزن عميق إذ وجد بين ضحايا الديناميت سمكات صغيرة، ورأى بينها سمكة تتلوى من الألم لبقية حياة ماتزال فيها فكاد قلبه يتفطر وغلبه البكاء وراح يعاتب نفسه على هذه الجريمة التي ارتكبها بسابق الإصرار والترصد ؟!! وتعاظم  حزنه وإحساسه بالجريمة عندما تذكر مشاهد الأطفال الذين راحوا يتساقطون بالجملة من جراء التفجيرات التي راحت ترتكبها عصابات المتطرفين في المدينة، فضرب على رأسه بغضب، فقد أحس أن قتله لصغار السمك لا يختلف عن ممارسات تلك العصابات، وفي ذروة حزنه وندمه اتخذ قراراً أقسم أن لا رجعة فيه : لا ديناميت بعد اليوم، وعاد يصطاد بالصنارة، فقد اكتشف حكمة الصنارة فهي لا تعتدي على أحد ولا تتقصد أبرياء السمك الأبرياء ، وإنما هي تلقي الطُعم في الماء فيعلق به الطامعون والانتهازيون ، أما الديناميت فهو متهور يقتل ويدمّر بلا تمييز !! وعندئذ انفرجت أساريره فقام يحتضن الصنارة إلى صدره ويضرع إلى الله أن يدرك الإرهابيون حكمة الصنارة، ويقلعوا عن تهور الديناميت !!!