حروف مغتربة

ثمة حروف تنبلج من العدم، تنير عتمة ليل وتضفي الحلاوة لقهوة مرة تصاحب مساء شوق رمادي .. !

هنالك مشاعر خجولة تختبئ تحت ركام اللامبالاة، نظرات فضولية خجولة مشتتة في الفضاء، تصل إلى الأعماق لكنها تبتعد عمدا عن المقصود ..

أمل، خجل، حيرة وسراب ! رباعية زينت سماء مساء شتاء متمرد، أبى إلا أن يعزف سمفونية منفردة في حياة عابرة سبيل ..

أنا ؟ قد لا تهمكم معرفة اسمي ولا قصتي، أخبرني أحدهم أنني عصفورة عشق رفرفت في سماء وحدته، وآخر بأنني أنثى معجونة من ماء الهجر، تستمتع بوأد أحلام عاشق .. إحداهن قالت أنني وُلدتُ في نيسان سهوا، أخذت الكثير من صفة كذبه والقليل من عذوبة زهرة نيسان، ربما كنتُ هكذا في نظر الكثيرين لكنني لستُ إلا أنا ! وأناي تائهة في غياهب المجهول .. لم يستدرجها إلا اسم على وزن أفعل من أجله عشقتُ جميع الأفعال ..

كان مساء صاخبا بصرخات أخي الصغير، وبرنين هاتف مزعج يتعالى من خلال شاشته اسم لحوح كصاحبه، يتلو على مسامعي كل مرة نزاريات تذيب الحجر لكن لم تتمكن من ملامسة غشاء قلبي، ربما لأنه ينوي الاستمتاع بي كما هي نيتي ! أم أنني مللتُ تمثيل دور الأنثى العاشقة ..

أطفأته لأول مرة ورميت به في قاع درج حديدي ظننتُ أنه مانع لصوت الكذب الذي يصدر من جهاز أصم، ظن قلب متردد ويقين عقل ملّ أسطوانات العشق التي بتّ أحفظها عن ظهر قلب

خرجتُ بغية استنشاق جو نظيف خال من جزيئات الكذب، ارتدتُ مكتبة بعيدة عن منزلنا .. حيثُ أجد دوما ضالتي من جرعات الهدوء واللامبالاة، جلستُ في الركن القصي منها، وعلى أنغام فيروزية رحتُ أعيش بين سطور فلسفة حياة، أقرأ عن الحب فأصاب بالغثيان ! أقرأ لنزار فأجدني أحفظ قصائده ليس لأنني من عشاقه بل لكثرة ما أنصت لها في محادثتي معه، أقترب من نجيب فتصاب أناملي برجفة وأبتعد ربما لأنه يحكيني ..

اقترب - هو - بخطوات واثقة، كان من النوع الذي يُعشق من بعيد .. الذي لا يُنال بسهولة، والذي تجد أنه مجرد سراب عندما تخال أنك أمسكتَ بجزء من قلبه ..

كان يشبه ذلك الشاب الأنيق المهذب، الذي تحسد أمه وأخته على قدرتهما من الاقتراب منه وامتلاك قلبه والارتشاف من حنانه ونقاء روحه

كدتُ أنهض من كرسيي، أن أقلد أحد الأفلام الرومانسية التي أشاهدها كل يوم، أن أقترب ربما وأسقط عليه سهوا/عمدا، فتتاح لي فرصة معرفة اسمه فقط،

أو أقده لأسأله أين التقينا من قبل، قد تكون بداية تافهة لكنها قد تؤدي إلى نتائج كبيرة كما قرأت يوما ما،

ماذا لو مثلتُ بأنني أتحدث في الهاتف مع صديقة وأملي رقمي عليها ؟

قد يلتقطه ويتصل بي يوما ما، يا لغبائي ! حتى الهاتف نسيته بين مضادت الكذب،

ما أدراني بأنني سأحتاج لكذبة في هذا الوقت ؟

شردتُ في تفاصيل عينيه، إلى لحيته غير المهذبة وراحة يده التي تبرز من خلالها عروق يده،

يقال بأن ذوي العروق البارزة عمرهم طويل .. أسيُكتب لي أن أكون جزءا من ذلك العمر ؟ أن أسمي أول أطفالنا  " ريان " كما أحلم ؟ وأن أتوسد صدره بدل الوسادة في ليالي الشتاء القارسة ؟ أن أحكي لعينيه أسراري بدل محاكاة نفس الوسادة ؟

أيقظني من شرودي اقترابه مني، أصيبت دقات قلبي بالجنون إلى أن ظننتُ بأنها وصلت لمسامعه،

خلتُ بأنه قرأ أفكاري ويريد أن يسبقني إلى تلك التمثيليات ..

نصف ساعة من الأمل والخجل والحيرة كللتها نغمة سراب، عزفتها جملة وجهها إلى إحداهن في الطرف الآخر :

" لا تقلقي يا حبيبتي .. وجدتُ كتابكِ المفضل "

استدرتُ فوجدتُ يبحث بين الرفوف خلفي !

ألم أخبركم بأنه من ذلك النوع الذي يتحول إلى سراب عندما تظن بأنك اقتربتَ من حصون قلبه ؟

فتحتُ الكتاب أمامي فوقعتْ عيناي على سماء منخفضة ! ذلك الدرويشي .. دائما يحكيني .. !

وسوم: العدد 671